للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَاهُنَا وَذَاكَ هُنَاكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَبَيْنَ السِّيَاقَيْنِ تَبَايُنٌ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ لَفْظِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ قَدْ سأل عنها الزمخشري فِي تَفْسِيرِهِ وَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا عِنْدَهُ، وَالْأَمْرُ في ذلك قريب. والله أعلم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٦١]]

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)

يَقُولُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ فِي إِنْزَالِي عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى طَعَامًا طَيِّبًا نَافِعًا هَنِيئًا سهلا واذكروا دبركم وضجركم مما رزقناكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها مما سألتم. قال الحسن البصري: فَبَطَرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا عَيْشَهُمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَكَانُوا قَوْمًا أَهْلَ أَعْدَاسٍ وبصل وبقول وَفُومٍ فَقَالُوا: يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها وإنما قالوا على طعام واحد وَهُمْ يَأْكُلُونَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتَبَدَّلُ ولا يتغير كل يوم، فهو مأكل وَاحِدٍ: فَالْبُقُولُ وَالْقِثَّاءُ وَالْعَدَسُ وَالْبَصَلُ كُلُّهَا مَعْرُوفَةٌ، وَأَمَّا الْفُومُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَاهُ، فَوَقَعَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَثُومِهَا بِالثَّاءِ، وكذا فَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْهُ، بِالثُّومِ. وَكَذَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَارَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ:

وَفُومِها قَالَ: قال ابن عباس: الثوم. قال: وَفِي اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ: فَوِّمُوا لَنَا بِمَعْنَى اخْتَبِزُوا. قال ابْنُ جَرِيرٍ «١» : فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَإِنَّهُ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُبْدَلَةِ كَقَوْلِهِمْ: وَقَعُوا فِي عَاثُورِ شَرٍّ وَعَافُورِ شَرٍّ، وَأَثَافِيُّ وَأَثَاثِيُّ، وَمَغَافِيرُ وَمَغَاثِيرُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِمَّا تُقْلَبُ الْفَاءُ ثَاءً وَالثَّاءُ فَاءً لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْفُومُ الْحِنْطَةُ، وَهُوَ الْبُرُّ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ الْخُبْزُ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قِرَاءَةً، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ قِرَاءَةً حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ: سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: وَفُومِها

مَا فُومُهَا؟ قَالَ: الْحِنْطَةُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ، وَهُوَ يقول: [الكامل]

قَدْ كُنْتُ أَغْنَى النَّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا ... وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ «٢»

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حدثنا علي بن الحسن، حدثنا مسلم الجهني، حدثنا عيسى بن يونس، عن رشيدين بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تعالى: وَفُومِها قال: الفوم الحنطة


(١) الطبري ١/ ٣٥٢.
(٢) البيت لأبي محجن الثقفي في اللسان (فوم) أنشده الأخفش له وروايته: «قد كنت أحسبني كأغنى واجد ... نزل المدينة» . وكذا رواية القرطبي ١/ ٤٢٥. وهو في الروض الأنف ٢/ ٤٥ لأبي أميمة أو لأبي محجن، ورواه «سكن المدينة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>