للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ تَعَالَى: فَتَوَلَّ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إِذَا رَأَوْا آيَةً يَعْرِضُونَ وَيَقُولُونَ هَذَا سحر مستمر، أعرض عنهم وانتظرهم يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ أَيْ إِلَى شَيْءٍ مُنْكَرٍ فَظِيعٍ، وَهُوَ مَوْقِفُ الْحِسَابِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ بَلْ وَالزَّلَازِلِ وَالْأَهْوَالِ، خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ أَيْ ذَلِيلَةٌ أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ وَهِيَ الْقُبُورُ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ أَيْ كَأَنَّهُمْ فِي انْتِشَارِهِمْ وَسُرْعَةِ سَيْرِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ إِجَابَةً لِلدَّاعِي جَرادٌ مُنْتَشِرٌ فِي الْآفَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ:

مُهْطِعِينَ أي مسرعين إِلَى الدَّاعِ لَا يُخَالِفُونَ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ يَقُولُ الْكافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ أَيْ يَوْمٌ شَدِيدُ الْهَوْلِ عَبُوسٌ قَمْطَرِيرٌ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر: ٩- ١٠] .

[سورة القمر (٥٤) : الآيات ٩ الى ١٧]

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)

تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)

يَقُولُ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا أَيْ صَرَّحُوا لَهُ بِالتَّكْذِيبِ وَاتَّهَمُوهُ بِالْجُنُونِ وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَازْدُجِرَ. أَيْ اسْتُطِيرَ جُنُونًا، وَقِيلَ: وَازْدُجِرَ أي انتهروه وزجروه وتواعدوه لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ «١» [الشُّعَرَاءِ: ١١٦] ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ حَسَنٌ فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ أَيْ إِنِّي ضَعِيفٌ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ فَانْتَصِرْ أَنْتَ لِدِينِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ قال السدي: وهو الْكَثِيرُ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً أَيْ نَبَعَتْ جَمِيعُ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى التَّنَانِيرُ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النِّيرَانِ نَبَعَتْ عُيُونًا، فَالْتَقَى الْماءُ أَيْ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنَ الْأَرْضِ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ أَيْ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ.

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ كَثِيرٍ لَمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ولا بعده إلا مِنَ السَّحَابِ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ سَحَابٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَالْتَقَى الْمَاءَانِ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ ابْنَ الْكُوَّاءِ سَأَلَ عَلِيًّا عَنِ الْمَجَرَّةِ فَقَالَ:

هِيَ شَرَجُ السَّمَاءِ، وَمِنْهَا فُتِحَتِ السَّمَاءُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْقُرَظِيُّ وقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ الْمَسَامِيرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جرير «٢» ، قال:


(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٥٥١.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٥٥٢، ٥٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>