للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سخلة (١) فيما ذكره مجاهد والسدي وغير واحد، فذبحوها ولطخوا ثوب يوسف بدمها، موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب، وقد أصابه من دمه، ولكنهم نسوا أن يخرقوه، فلهذا لم يرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب، بل قال لهم معرضا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أي فسأصبر صبرا جميلا على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه حتى يفرجه الله بعونه ولطفه ﴿وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ أي على ما تذكرون من الكذب والمحال.

وقال الثوري عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ قال: لو أكله السبع لخرق القميص (٢)، وكذا قال الشعبي والحسن وقتادة وغير واحد.

وقال مجاهد: الصبر الجميل الذي لا جزع فيه (٣). وروى هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة، قال: سئل رسول الله عن قوله: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ فقال: صبر لا شكوى فيه، وهذا مرسل. وقال عبد الرزاق: قال الثوري، عن بعض أصحابه أنه قال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكي نفسك وذكر البخاري (٤) هاهنا حديث عائشة في الإفك حتى ذكر قولها: والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف:

﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ٦].

[[سورة يوسف (١٢): الآيات ١٩ إلى ٢٠]]

﴿وَجاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ (٢٠)

يقول تعالى مخبرا عما جرى ليوسف حين ألقاه إخوته وتركوه في ذلك الجب وحيدا فريدا، فمكث في البئر ثلاثة أيام فيما قاله أبو بكر بن عياش، وقال محمد بن إسحاق:

لما ألقاه إخوته جلسوا حول البئر يومهم ذلك، ينظرون ماذا يصنع وما يصنع به، فساق الله له سيارة، فنزلوا قريبا من تلك البئر، وأرسلوا وأردهم وهو الذي يتطلب لهم الماء، فلما جاء ذلك البئر وأدلى دلوه فيها، تشبث يوسف فيها فأخرجه واستبشر به، وقال:

﴿يا بُشْرى هذا غُلامٌ﴾ وقرأ بعض القراء يا بشراي، فزعم السدي أنه اسم رجل، ناداه ذلك الرجل الذي أدلى دلوه معلما له أنه أصاب غلاما، وهذا القول من السدي غريب لأنه لم يسبق إلى تفسير هذه القراءة


(١) السخلة: ولد الشاة من المعز والضأن، ذكرا كان أم أنثى.
(٢) انظر تفسير الطبري ٧/ ١٦١.
(٣) انظر تفسير الطبري ٧/ ١٦٢.
(٤) كتاب التفسير، تفسير سورة ١٢، باب ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>