فقربه إليهم لم يضعه وقال اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم بل قال: ﴿أَلا تَأْكُلُونَ﴾ على سبيل العرض والتلطف، كما يقول القائل اليوم إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل.
وقوله تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ هذا محال على ما تقدم في القصة في السورة الأخرى وهي قوله تعالى: ﴿فَلَمّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧٠ - ٧١] أي استبشرت بهلاكهم لتمردهم وعتوهم على الله تعالى، فعند ذلك بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ﴿قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود: ٧٢ - ٧٣] ولهذا قال الله ﷾ هاهنا: ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ فالبشارة له هي بشارة لها. لأن الولد منها فكل منهما بشر به.
وقوله تعالى: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ﴾ أي في صرخة عظيمة ورنّة، قاله ابن عباس ﵄ ومجاهد وعكرمة وأبو صالح والضحاك وزيد بن أسلم والثوري والسدي وهي قولها ﴿يا وَيْلَتى﴾ … ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَها﴾ أي ضربت بيدها على جبينها قاله مجاهد وابن سابط، وقال ابن عباس ﵄: لطمت أي تعجبا كما تتعجب النساء من الأمر الغريب ﴿وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ أي كيف ألد وأنا عجوز وقد كنت في حال الصبا عقيما لا أحبل؟ ﴿قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ أي عليم بما تستحقون من الكرامة حكيم في أقواله وأفعاله.