﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ١٤١]، وقال تعالى: ﴿فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ﴾ [المائدة: ٥٢] وقال تعالى مخبرا عنهم هاهنا: ﴿وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُمْ﴾ ثم قال الله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ﴾ أي أوليس الله بأعلم بما في قلوبهم وما تكنه ضمائرهم، وإن أظهروا لكم الموافقة.
وقوله تعالى: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ﴾ أي وليختبرن الله الناس بالضراء والسراء، ليتميز هؤلاء من هؤلاء، من يطيع الله في الضراء والسراء، ومن إنما يطيعه في حظ نفسه، كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ﴾ [محمد: ٣١]، وقال تعالى بعد وقعة أحد التي كان فيها ما كان من الاختبار والامتحان ﴿ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] الآية.
يقول تعالى مخبرا عن كفار قريش أنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا، واتبعوا سبيلنا ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ أي وآثامكم إن كانت لكم آثام في ذلك علينا وفي رقابنا، كما يقول القائل: افعل هذا وخطيئتك في رقبتي، قال الله تعالى تكذيبا لهم ﴿وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ أي: فيما قالوه إنهم يحتملون عن أولئك خطاياهم، فإنه لا يحمل أحد وزر أحد، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى﴾ [فاطر: ١٨] وقال تعالى: ﴿وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج: ١٠ - ١١].
وقوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ﴾ إخبار عن الدعاة إلى الكفر والضلالة، أنهم يحملون يوم القيامة أوزار أنفسهم وأوزارا أخر بسبب ما أضلوا من الناس من غير أن ينقص من أوزار أولئك شيئا، كما قال تعالى، ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل: ٢٥] الآية، وفي الصحيح «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من آثامهم شيئا»(١). وفي الصحيح «ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه
(١) أخرجه مسلم في العلم حديث ١٥، ١٦، وأبو داود في الصلاة باب ٥١، والسنة باب ٦، والترمذي في العلم باب ١٥، والنسائي في الإمامة باب ٥٢، وابن ماجة في المقدمة باب ١٤، ١٥، والتجارات باب ٥٦، ومالك في القرآن حديث ٤١، وأحمد في المسند ٢/ ٣٨٠، ٣٩٧، ٥٠٥، ٥٢١، ٦/ ٤٤.