للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، فذكر مثله سواء.

والأحاديث في هذا كثيرة، فمن رحمة الله تعالى بالعباد إرسال محمد إليهم، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له، وقد أخبر الله في كتابه ورسوله في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب وأفاك دجال ضال مضل، لو تخرق وشعبذ وأتى بأنواع السحر والطلاسم والنيرجيات فكلها محال وضلال عند أولي الألباب كما أجرى الله على يد الأسود العنسي باليمن ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة والأقوال الباردة ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان لعنهما الله، وكذلك كل مدع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال، فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها.

وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه، فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا على سبيل الاتفاق أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم، كما قال تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢] الآية، وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنهم في غاية البر والصدق والرشد والاستقامة والعدل فيما يقولونه ويفعلونه ويأمرون به وينهون عنه، مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات والأدلة الواضحات والبراهين الباهرات، فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا ما دامت الأرض والسموات.

[[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٤١ إلى ٤٤]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤)

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بكثرة ذكرهم لربهم المنعم عليهم بأنواع النعم وصنوف المنن، لما لهم في ذلك من جزيل الثواب، وجميل المآب. قال الإمام أحمد (١):

حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن سعيد، حدثني مولى ابن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء ، قال: قال رسول الله : «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم» قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال : «ذكر الله ﷿» (٢) وهكذا رواه الترمذي وابن ماجة من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد


(١) المسند ٥/ ١٩٥.
(٢) أخرجه الترمذي في الدعاء باب ٦، وابن ماجة في الأدب باب ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>