للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٣٣ إلى ١٣٥]]

﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يا قَوْمِ اِعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ (١٣٥)

يقول تعالى: ﴿وَرَبُّكَ﴾ يا محمد ﴿الْغَنِيُّ﴾ أي عن جميع خلقه من جميع الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، ﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ أي وهو مع ذلك رحيم بهم، كما قال تعالى:

﴿إِنَّ اللهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ أي إذا خالفتم أمره ﴿وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ﴾ أي قوما آخرين، أي يعملون بطاعته ﴿كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ أي هو قادر على ذلك سهل عليه يسير لديه، كما أذهب القرون الأولى وأتى بالذي بعدها كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين، كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً﴾ [النساء: ١٣٣] وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم: ١٥ - ١٧].

وقال تعالى: ﴿وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ﴾ وقال محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة قال: سمعت أبان بن عثمان يقول في هذه الآية ﴿كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ الذرية الأصل والذرية النسل (١).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أي أخبرهم يا محمد، أن الذي يوعدون به من أمر المعاد كائن لا محالة، ﴿وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ أي ولا تعجزون الله، بل هو قادر على إعادتكم وإن صرتم ترابا رفاتا وعظاما، هو قادر لا يعجزه شيء.

وقال ابن أبي حاتم في تفسيرها: حدثني أبي، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا محمد بن حمير عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين».

وقوله تعالى: ﴿قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ هذا تهديد شديد ووعيد أكيد أي استمروا على طريقتكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي كقوله ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ﴾ [هود: ١٢١ - ١٢٢] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿عَلى مَكانَتِكُمْ﴾ ناحيتكم (٢).


(١) الدر المنثور ٣/ ٨٨.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>