للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليكم شيئا إلا أن ييسره الله لكم.

ولهذا قال تعالى: ﴿وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ فالسعي في السبب لا ينافي التوكل كما قال الإمام أحمد (١): حدثنا أبو عبد الرّحمن، حدثنا حيوة، أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع عبد الله بن هبيرة يقول: إنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: إنه سمع عمر بن الخطاب يقول: إنه سمع رسول الله يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا (٢) وتروح بطانا» (٣) رواه (٤) الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث ابن هبيرة، وقال الترمذي: حسن صحيح، فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق مع توكلها على الله ﷿ وهو المسخر المسير المسبب.

﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ أي المرجع يوم القيامة. قال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة:

﴿مَناكِبِها﴾ أطرافها وفجاجها ونواحيها، وقال ابن عباس وقتادة أيضا: ﴿مَناكِبِها﴾ الجبال، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن حكام الأزدي، حدثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الآية ﴿فَامْشُوا فِي مَناكِبِها﴾ فقال لأم ولد له: إن علمت ﴿مَناكِبِها﴾ فأنت عتيقة فقالت: هي الجبال، فسأل أبا الدرداء فقال: هي الجبال.

[[سورة الملك (٦٧): الآيات ١٦ إلى ١٩]]

﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩)

وهذه أيضا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره، وهو مع هذا يحلم ويصفح ويؤجل ولا يعجل كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً﴾ [فاطر: ٤٥] وقال هاهنا ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ﴾ أي تذهب وتجيء وتضطرب ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً﴾ أي ريحا فيها حصباء تدمغكم كما قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً﴾ [الإسراء: ٦٨] وهكذا توعدهم هاهنا بقوله ﴿فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ﴾ أي كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه وكذب به.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي من الأمم السالفة والقرون الخالية


(١) المسند ١/ ٣٠، ٥٢.
(٢) الخماص: الجياع.
(٣) البطان: امتلاء البطن، والشبع.
(٤) أخرجه الترمذي في الزهد باب ٣٣، وابن ماجة في الزهد باب ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>