للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلما كرر عليهم الدعوة صمموا على الكفر الغليظ والامتناع الشديد، وقالوا في الآخر ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ أي لئن لم تنته من دعوتك إيانا إلى دينك، ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ أي لنرجمنك، فعند ذلك دعا عليهم دعوة استجاب الله منه، فقال ﴿رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً﴾ الآية، كما قال في الآية الأخرى ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠] إلى آخر الآية. وقال هاهنا ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ﴾ والمشحون هو المملوء بالأمتعة والأزواج التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أي أنجينا نوحا ومن اتبعه كلهم، وأغرقنا من كفر به وخالف أمره كلهم أجمعين ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ١٢٣ إلى ١٣٥]]

﴿كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاِتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥)

وهذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود ، أنه دعا قومه عادا، وكان قومه يسكنون الأحقاف، وهي جبال الرمل قريبا من حضرموت، من جهة بلاد اليمن، وكان زمانهم بعد قوم نوح، كما قال في سورة الأعراف ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً﴾ [الأعراف: ٦٩] وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد، والطول المديد، والأرزاق الدارة، والأموال والجنات والأنهار، والأبناء والزروع والثمار، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه، فبعث الله هودا إليهم رجلا منهم رسولا وبشيرا ونذيرا، فدعاهم إلى الله وحده، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه.

فقال لهم كما قال نوح لقومه إلى أن قال ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة، يبنون هناك بنيانا محكما هائلا باهرا، ولهذا قال ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً﴾ أي معلما بناء مشهورا ﴿تَعْبَثُونَ﴾ أي وإنما تفعلون ذلك عبثا لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة، ولهذا أنكر عليه نبيهم ذلك، لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ قال مجاهد:

والمصانع البروج المشيدة والبنيان المخلد، وفي رواية عنه: بروج الحمام. وقال قتادة: هي مأخذ الماء.

قال قتادة: وقرأ بعض الكوفيين «وتتخذون مصانع كأنكم خالدون». وفي القراءة المشهورة ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ أي لكي تقيموا فيها أبدا وذلك ليس بحاصل

<<  <  ج: ص:  >  >>