لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعا، أو الدنيا وما فيها. قالت وما هي؟ فقلت:«والذين يأتون ما أتوا» فقالت: أشهد أن رسول الله ﷺ كذلك كان يقرؤها، وكذلك أنزلت، ولكن الهجاء حرف، فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف.
والمعنى على القراءة الأولى، وهي قراءة الجمهور السبعة وغيرهم أظهر، لأنه قال:
﴿أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ﴾ فجعلهم من السابقين، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك أن لا يكونوا من السابقين بل من المقتصدين أو المقصرين، والله أعلم.
يقول تعالى مخبرا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، أي إلا ما تطيق حمله والقيام به، وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء، ولهذا قال: ﴿وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ﴾ يعني كتاب الأعمال، ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ أي لا يبخسون من الخير شيئا، وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين، ثم قال منكرا على الكفار والمشركين من قريش: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ أي في غفلة وضلالة ﴿مِنْ هذا﴾، أي القرآن الذي أنزله على رسوله ﷺ.
وقوله: ﴿وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ﴾ قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ﴿وَلَهُمْ أَعْمالٌ﴾ أي سيئة من دون ذلك يعني الشرك ﴿هُمْ لَها عامِلُونَ﴾ قال: لا بد أن يعملوها، كذا روي عن مجاهد والحسن وغير واحد. وقال آخرون ﴿وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ﴾ أي قد كتبت عليهم أعمال سيئة لا بد أن يعملوها قبل موتهم لا محالة، لتحق عليهم كلمة العذاب، وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيان والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ظاهر قوي حسن، وقد قدمنا في حديث ابن مسعود:«فوالذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها».
وقوله: ﴿حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ يعني حتى إذا جاء مترفيهم وهم السعداء المنعمون في الدنيا عذاب الله وبأسه ونقمته بهم ﴿إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ أي يصرخون ويستغيثون كما قال تعالى: ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً﴾ [المزمل: ١١ - ١٣] الآية، وقال تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ