أي إن في محاجة إبراهيم لقومه وإقامة الحجج عليهم في التوحيد لآية، أي لدلالة واضحة جلية على أن لا إله إلا الله ﴿وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ١٠٥ إلى ١١٠]]
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠)﴾
هذا إخبار من الله ﷿ عن عبده ورسوله نوح ﵇، وهو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد ما عبدت الأصنام والأنداد، فبعثه الله ناهيا عن ذلك ومحذرا من وبيل عقابه، فكذبه قومه، فاستمروا على ما هم عليه من الفعال الخبيثة في عبادتهم أصنامهم مع الله تعالى:
ونزل الله تعالى تكذيبهم له منزلة تكذيبهم جميع الرسل، فلهذا قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾ أي ألا تخافون الله في عبادتكم غيره ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ أي إني رسول من الله إليكم، أمين فيما بعثني الله به، أبلغكم رسالات ربي ولا أزيد فيها ولا أنقص منها ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ الآية، أي لا أطلب منكم جزاء على نصحي لكم، بل أدّخر ثواب ذلك عند الله ﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ﴾ فقد وضح لكم وبان صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني الله به وائتمنني عليه.
[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ١١١ إلى ١١٥]]
﴿قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاِتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥)﴾
يقولون: لا نؤمن لك، ولا نتبعك ونتساوى في ذلك بهؤلاء الأراذل، الذين اتبعوك وصدقوك وهم أراذلنا، ولهذا ﴿قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي وأي شيء يلزمني من اتباع هؤلاء لي؟ ولو كانوا على أي شيء كانوا عليه، لا يلزمني التنقيب عنهم والبحث والفحص، إنما علي أن أقبل منهم تصديقهم إياي، وأكل سرائرهم إلى الله ﷿ ﴿إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ كأنهم سألوا منه أن يبعدهم عنه ويتابعوه، فأبى عليهم ذلك وقال ﴿وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي إنما بعثت نذيرا، فمن أطاعني واتبعني وصدقني كان مني وأنا منه، سواء كان شريفا أو وضيعا، أو جليلا أو حقيرا.
[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ١١٦ إلى ١٢٢]]
﴿قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢)﴾
لما طال مقام نبي الله بين أظهرهم، يدعوهم إلى الله تعالى ليلا ونهارا، وسرا وجهارا،