للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ﴾ أي بدلالة ومعجزة من ربك ﴿وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى﴾ أي والسلام عليك إن اتبعت الهدى، ولهذا لما كتب رسول الله إلى هرقل عظيم الروم كتابا كان أوله «بسم الله الرحمن الرحمن، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين» وكذلك لما كتب مسيلمة إلى رسول الله كتابا صورته من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركتك في الأمر، فلك المدر ولي الوبر، ولكن قريشا قوم يعتدون، فكتب إليه رسول الله «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» (١) ولهذا قال موسى وهارون لفرعون ﴿وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى﴾ أي قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متمحض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته، كما قال تعالى: ﴿فَأَمّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى﴾ [النازعات: ٣٧ - ٣٩] وقال تعالى:

﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلّى﴾ [الليل: ١٤ - ١٦] وقال تعالى:

﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى﴾ [القيامة: ٣١ - ٣٢] أي كذب بقلبه، وتولى بفعله.

[[سورة طه (٢٠): الآيات ٤٩ إلى ٥٢]]

﴿قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢)

يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال لموسى منكرا وجود الصانع الخالق إله كل شيء وربه ومليكه، قال ﴿فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى﴾ أي الذي بعثك وأرسلك من هو، فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري ﴿قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يقول خلق لكل شيء زوجه (٢). وقال الضحاك عن ابن عباس: جعل الإنسان إنسانا، والحمار حمارا، والشاة شاة. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: أعطى كل شيء صورته. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: سوى خلق كل دابة.

وقال سعيد بن جبير في قوله: ﴿أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ قال: أعطى كل ذي خلق ما يصلحه من خلقه، ولم يجعل للإنسان من خلق الدابة، ولا للدابة من خلق الكلب، ولا للكلب من خلق الشاة، وأعطى كل شيء ما ينبغي له من النكاح، وهيأ كل شيء على ذلك، ليس شيء منها يشبه شيئا من أفعاله في الخلق والرزق والنكاح. وقال بعض المفسرين: أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، كقوله تعالى: ﴿الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى﴾ [الأعلى: ٣] أي قدر قدرا وهدى


(١) انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٦٠٠، ٦٠١.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ٤٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>