وقوله تعالى: ﴿لِيَسْئَلَ الصّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ قال مجاهد: المبلغين المؤدين عن الرسل.
وقوله تعالى: ﴿وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ﴾ أي من أممهم ﴿عَذاباً أَلِيماً﴾ أي موجعا فنحن نشهد أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم، ونصحوا الأمم وأفصحوا لهم عن الحق الجلي الذي لا لبس فيه ولا شك ولا امتراء، وإن كذبهم من كذبهم من الجهلة والمعاندين والمارقين والقاسطين، فما جاءت به الرسل هو الحق، ومن خالفهم فهو على الضلال.
يقول تعالى مخبرا عن نعمته وفضله وإحسانه إلى عباده المؤمنين في صرفه أعداءهم وهزمه إياهم عام تألبوا عليهم وتحزبوا، وذلك عام الخندق، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة على الصحيح المشهور. وقال موسى بن عقبة وغيره: كان في سنة أربع، وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفرا من أشراف يهود بن النضير الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله ﷺ من المدينة إلى خيبر، منهم سلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع، خرجوا إلى مكة فاجتمعوا بأشراف قريش وألبوهم على حرب النبي ﷺ، ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة، فأجابوهم إلى ذلك، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضا.
وخرجت قريش في أحابيشها ومن تابعها وقائدها أبو سفيان صخر بن حرب، وعلى غطفان عيينة بن حصن بن بدر، والجميع قريب من عشرة آلاف، فلما سمع رسول الله ﷺ بمسيرهم، أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق، وذلك بإشارة سلمان الفارسي ﵁، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا، ونقل معهم رسول الله ﷺ التراب وحفر، وكان في حفره ذلك آيات بينات ودلائل واضحات. وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريبا من أحد، ونزلت طائفة منهم أعالي أرض المدينة، كما قال الله تعالى: ﴿إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ وخرج رسول الله ﷺ ومن معه من المسلمين وهم نحو ثلاثة آلاف، وقيل سبعمائة، فأسندوا ظهورهم إلى سلع ووجوههم إلى نحو العدو، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الخيالة والرجال أن تصل إليهم، وجعل النساء والذراري في آطام المدينة، وكانت بنو قريظة وهم طائفة من اليهود لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عهد من النبي ﷺ وذمة وهم قريب من ثمانمائة مقاتل.
فذهب إليهم حيي بن أخطب النضري، فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد ومالؤوا الأحزاب على رسول الله ﷺ، فعظم الخطب واشتد الأمر وضاق الحال، كما قال الله ﵎: