للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الطبراني، حدثنا أبو شبيل عبد الله بن عبد الرحمن بن واقد، حدثنا أبي، حدثنا العباس بن الفضل عن عبد الجبار بن نافع الضبي، عن قتادة، وجعفر بن إياس عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله تعالى: ﴿وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ قال: إنهم كانوا كرابين يعني فلاحين، قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فلما قرأ رسول الله عليهم القرآن، آمنوا وفاضت أعينهم، فقال رسول الله «لعلكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم» فقالوا: لن ننتقل عن ديننا، فأنزل الله ذلك من قولهم وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه، من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: ﴿فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ﴾ أي: مع محمد ، وأمته هم الشاهدون، يشهدون لنبيهم أنه قد بلّغ وللرسل أنهم قد بلغوا. ثم قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

﴿وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ﴾ وهذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ﴾ [آل عمران: ١٩٩] الآية، وهم الذين قال الله فيهم ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ إلى قوله ﴿لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ﴾ [القصص: ٥٢ - ٥٥] ولهذا قال تعالى هاهنا: ﴿فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ أي فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق ﴿جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها﴾ أي ماكثين فيها أبدا لا يحولون ولا يزولون ﴿وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأين كان ومع من كان، ثم أخبر عن حال الأشقياء فقال ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ أي جحدوا بها وخالفوها، ﴿أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ﴾ أي هم أهلها والداخلون فيها.

[[سورة المائدة (٥): الآيات ٨٧ إلى ٨٨]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاِتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رهط من أصحاب النبي ، قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبي ، فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم، فقال النبي «لكني أصوم وأفطر، وأصلي، وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني» رواه ابن أبي حاتم (١)، وروى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس نحو ذلك، وفي الصحيحين عن عائشة أن ناسا من أصحاب رسول الله سألوا أزواج النبي عن عمله في السر فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام


(١) ورواه الطبري في تفسيره ٥/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>