للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استهزءوا بهم وكذبوهم أشد التكذيب.

[[سورة الكهف (١٨): الآيات ١٠٧ إلى ١٠٨]]

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨)

يخبر تعالى عن عباده السعداء وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به، أن لهم جنات الفردوس، قال مجاهد: الفردوس هو البستان بالرومية. وقال كعب والسدي والضحاك: هو البستان الذي فيه شجر الأعناب، وقال أبو أمامة: الفردوس سرة الجنة، وقال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها، وقد روي هذا مرفوعا من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي «الفردوس ربوة الجنة أوسطها وأحسنها».

وهكذا رواه إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة مرفوعا وروي عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا بنحوه روى ذلك كله ابن جرير ، وفي الصحيحين «إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة» (١). وقوله تعالى:

﴿نُزُلاً﴾ أي ضيافة، فإن النزل الضيافة. وقوله ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ أي مقيمين ساكنين فيها لا يظعنون عنها أبدا ﴿لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً﴾ أي لا يختارون عنها غيرها ولا يحبون سواها، كما قال الشاعر: [الطويل] فحلت سويدا القلب لا أنا باغيا … سواها ولا عن حبها أتحوّل (٢)

وفي قوله: ﴿لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً﴾ تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائما أنه قد يسأمه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنا ولا رحلة ولا بدلا.

[[سورة الكهف (١٨): آية ١٠٩]]

﴿قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩)

يقول تعالى: قل يا محمد لو كان ماء البحر مدادا للقلم الذي يكتب به كلمات الله وحكمه وآياته الدالة عليه، لنفد البحر قبل أن يفرغ كتابة ذلك ﴿وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ﴾ أي بمثل البحر آخر، ثم آخر وهلم جرا بحور تمده ويكتب بها، لما نفدت كلمات الله، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾


(١) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٢٢.
(٢) يروى البيت: وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا سواها ولا عن حبها متراخيا والبيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص ١٧١، والأشباه والنظائر ٨/ ١١٠، وتخليص الشواهد ص ٢٩٤، والجنى الداني ص ٢٩٣، وخزانة الأدب ٣/ ٣٣٧، والدرر ٢/ ١١٤، وشرح الأشموني ١/ ١٢٥، وشرح التصريح ١/ ١٩٩، وشرح شواهد المغني ٢/ ٦١٣، ومغني اللبيب ١/ ٣٤، والمقاصد النحوية ٢/ ١٤١، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص ٢٤٧، وشرح ابن عقيل ص ١٥٩، وهمع الهوامع ١/ ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>