للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونكالها أشد وأشق وأطم وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، وعذاب الآخرة على صنيعكم هذا أعظم مما تنالون منهم إن نلتم بزعمكم وإرادتكم وقوله: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أي وبئس النار مقيلا ومنزلا ومرجعا وموئلا ومقاما ﴿إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً﴾ [الفرقان:٦٦].

[[سورة الحج (٢٢): الآيات ٧٣ إلى ٧٤]]

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اِجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)

يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ﴾ أي لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ أي أنصتوا وتفهموا ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ أي لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك.

كما قال الإمام أحمد (١): حدثنا أسود بن عامر، حدثنا شريك عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة مرفوعا قال: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا مثل خلقي ذرة أو ذبابة أو حبة». وأخرجه صاحبا الصحيح من طريق عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة، عن النبي قال: «قال الله ﷿ ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة» (٢).

ثم قال تعالى أيضا: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي هم عاجزون عن خلق ذباب واحد، بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والإنتصار منه لو سلبها شيئا من الذي عليها من الطيب، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك، هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها، ولهذا قال: ﴿ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ قال ابن عباس: الطالب الصنم، والمطلوب الذباب، واختاره ابن جرير، وهو ظاهر السياق.

وقال السدي وغيره: الطالب العابد، والمطلوب الصنم، ثم قال: ﴿ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أي ما عرفوا قدر الله وعظمته حين عبدوا معه غيره من هذه التي لا تقاوم الذباب لضعفها وعجزها ﴿إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ أي هو القوي الذي بقدرته وقوته خلق كل شيء ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ [البروج: ١٢ - ١٣] ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٨]. وقوله: ﴿عَزِيزٌ﴾ أي قد عز كل شيء فقهره وغلبه، فلا يمانع ولا يغالب لعظمته وسلطانه، وهو الواحد القهار.


(١) المسند ٢/ ٣٩١.
(٢) أخرجه البخاري في اللباس باب ٩٠، والتوحيد باب ٥٦، ومسلم في اللباس حديث ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>