للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى﴾ قال:

إن رسول الله كان يحرص أن يؤمن جميع الناس، ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول (١).

وقوله تعالى ﴿إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ أي إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، كقوله ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ﴾ [يس: ٧٠].

وقوله ﴿وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ يعني بذلك الكفار، لأنهم موتى القلوب، فشبههم الله بأموات الأجساد، فقال ﴿وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ وهذا من باب التهكم بهم والازدراء عليهم.

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ٣٧ إلى ٣٩]]

﴿وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)

يقول تعالى مخبرا عن المشركين، أنهم كانوا يقولون ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾، أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون، ومما يتعنتون كقولهم ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً﴾ [الإسراء: ٩٠] الآيات ﴿قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي هو تعالى قادر على ذلك، ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك، لأنه لو أنزل وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا، لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة، كما قال تعالى:

﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاّ تَخْوِيفاً﴾ [الإسراء: ٩٥] وقال تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤].

وقوله ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ﴾ قال مجاهد: أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. وقال قتادة: الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة، وقال السدي ﴿إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ﴾ أي خلق أمثالكم (٢).

وقوله ﴿ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحدا من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان بريا أو بحريا، كقوله


(١) في تفسير الطبري ٥/ ١٨٤ من حديث علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: «يقول الله سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين».
(٢) الآثار عن مجاهد وقتادة والسدي في تفسير الطبري ٥/ ١٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>