للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة القصص (٢٨): الآيات ٦٨ إلى ٧٠]]

﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)

يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ﴾ أي ما يشاء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالأمور كلها خيرها وشرها بيده، ومرجعها إليه، وقوله: ﴿ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ نفي على أصح القولين، كقوله تعالى: ﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦٠] وقد اختار ابن جرير أن (ما) هاهنا بمعنى الذي تقديره:

ويختار الذي لهم فيه خيرة، وقد احتج بهذا المسلك طائفة المعتزلة على وجوب مراعاة الأصلح، والصحيح أنها نافية، كما نقله ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره أيضا. فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك، ولهذا قال ﴿سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ أي من الأصنام والأنداد التي لا تخلق ولا تختار شيئا.

ثم قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ﴾ أي يعلم ما تكن الضمائر، وما تنطوي عليه السرائر، كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق ﴿سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ﴾ [الرعد: ١٠]. وقوله ﴿وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ﴾ أي هو المنفرد بالإلهية، فلا معبود سواه، كما لا رب يخلق ما يشاء ويختار سواه ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ﴾ أي في جميع ما يفعله هو المحمود عليه بعدله وحكمته ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ أي الذي لا معقب له لقهره وغلبته وحكمته ورحمته ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي جميعكم يوم القيامة، فيجزي كل عامل بعمله من خير وشر، ولا يخفى عليه منهم خافية في سائر الأعمال.

[[سورة القصص (٢٨): الآيات ٧١ إلى ٧٣]]

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)

يقول تعالى ممتنا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار اللذين لا قوام لهم بدونهما وبيّن أنه لو جعل الليل دائما عليهم سرمدا إلى يوم القيامة، لأضر ذلك بهم، ولسئمته النفوس وانحصرت منه، ولهذا قال تعالى: ﴿مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ﴾ أي تبصرون به وتستأنسون بسببه ﴿أَفَلا تَسْمَعُونَ﴾ ثم أخبر تعالى أنه لو جعل النهار سرمدا، أي دائما مستمرا إلى يوم القيامة، لأضر ذلك بهم، ولتعبت الأبدان وكلت من كثرة الحركات والأشغال، ولهذا قال تعالى: ﴿مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ أي تستريحون من حركاتكم وأشغالكم

<<  <  ج: ص:  >  >>