للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأنداد، هل ينصرونكم أو ينتصرون؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد، كما قال تعالى:

﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ [الأنعام: ٩٤].

وقوله: ﴿قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ يعني الشياطين والمردة والدعاة إلى الكفر ﴿رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيّانا يَعْبُدُونَ﴾ فشهدوا عليهم أنه أغووهم فاتبعوهم ثم تبرءوا من عبادتهم، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨١ - ٨٢] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَإِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٥ - ٦].

وقال الخليل لقومه ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ [العنكبوت: ٢٥] الآية، وقال الله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ﴾ -إلى قوله- ﴿وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ [البقرة: ١٦٦ - ١٦٧] ولهذا قال: ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ﴾ أي ليخلصوكم مما أنتم فيه كما كنتم ترجون منهم في الدار الدنيا ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ﴾ أي وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار لا محالة.

وقوله: ﴿لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ﴾ أي فودوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين في الدار الدنيا، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً﴾ [الكهف: ٥٢ - ٥٣]. وقوله: ﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ النداء الأول عن سؤال التوحيد، وهذا فيه إثبات النبوات، ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم، وكيف كان حالكم معهم؟ وهذا كما يسأل العبد في قبره: من ربك، ومن نبيك، وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأما الكافر فيقول: هاه هاه لا أدري، ولهذا لا جواب له يوم القيامة غير السكوت، لأن من كان في هذه أعمى، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، ولهذا قال تعالى: ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ﴾ قال مجاهد:

فعميت عليهم الحجج، فهم لا يتساءلون بالأنساب. وقوله ﴿فَأَمّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً﴾ أي في الدنيا ﴿فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ أي يوم القيامة وعسى من الله موجبة، فإن هذا واقع بفضل الله ومنته لا محالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>