﴿وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ﴾.
وقال الإمام أحمد (١): حدثنا حسن هو ابن موسى حدثنا سكين بن عبد العزيز، حدثنا الأشعث الضرير عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ:
«إن أدنى أهل الجنة منزلة إن له لسبع درجات وهو على السادسة وفوقه السابعة، وإن له ثلاثمائة خادم ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلاثمائة صحفة-ولا أعلمه إلا قال من ذهب في كل صحفة لون ليس في الأخرى، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء في كل إناء لون ليس في الآخر، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنه ليقول يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء، وإن له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض».
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ فِيها﴾ أي في الجنة ﴿خالِدُونَ﴾ أي لا تخرجون منها ولا تبغون عنها حولا.
ثم قيل لهم على وجه التفضل والامتنان ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحدا عمله الجنة، ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات ينال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات قال ابن أبي حاتم: حدثنا الفضل بن شاذان المقري، حدثنا يوسف بن يعقوب يعني الصفار، حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيكون له حسرة فيقول ﴿لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزمر: ٥٧] وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول ﴿وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللهُ﴾ [الأعراف: ٤٣] فيكون له شكرا» قال: وقال رسول الله ﷺ ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فالكافر يرث المؤمن منزله من النار. والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة. وذلك قوله تعالى ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ﴾ أي من جميع الأنواع ﴿مِنْها تَأْكُلُونَ﴾ أي مهما اخترتم وأردتم. ولما ذكر الطعام والشراب ذكر بعده الفاكهة لتتم النعمة والغبطة، والله تعالى أعلم.