للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٣] ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ أي يغفر لهم السيئات ويشكر لهم الحسنات.

وقال الضحاك في قوله ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد.

ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول الله قال «إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء». قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم فقال: «بلى والذي نفسي بيده، لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» (١). وفي الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي عطية عن ابن أبي سعيد قال: قال رسول الله «إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الدرجات العلى كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» (٢).

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥ إلى ٨]]

﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)

قال الإمام أبو جعفر الطبري (٣): اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾، فقال بعضهم شبه به في الصلاح للمؤمنين اتقاؤهم ربهم وإصلاحهم ذات بينهم وطاعتهم لله ورسوله، ثم روي عن عكرمة نحو هذا.

ومعنى هذا أن الله تعالى يقول كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها فانتزعها الله منكم وجعلها إلى قسمه، وقسم رسوله فقسمها على العدل والتسوية، فكان هذا هو المصلحة التامة لكم، وكذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة، وهم النفير الذين خرجوا لنصر دينهم وإحراز عيرهم، فكان عاقبة كراهتكم للقتال بأن قدره لكم وجمع به بينكم وبين عدوكم على غير ميعاد رشدا وهدى، ونصرا وفتحا، كما قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦].


(١) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٨، والرقاق باب ٥١، ومسلم في الجنة حديث ١١، وأحمد في المسند ٣/ ٥٠.
(٢) أخرجه أبو داود في الحروف باب ١٩، وابن ماجة في المقدمة باب ١١، وأحمد في المسند ٣/ ٢٦، ٢٧.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>