تقدم في سورة البقرة عامة الكلام على ما يتعلق بصدر هذه السورة، وهو أنه ﷾ جعل هذا القرآن هدى وشفاء ورحمة للمحسنين، وهم الذين أحسنوا العمل في اتباع الشريعة، فأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها وأوقاتها وما يتبعها من نوافل راتبة وغير راتبة، وآتوا الزكاة المفروضة عليهم إلى مستحقيها، ووصلوا أرحامهم وقراباتهم، وأيقنوا بالجزاء في الدار الآخرة، فرغبوا إلى الله في ثواب ذلك لم يراءوا به، ولا أرادوا جزاء من الناس ولا شكورا، فمن فعل ذلك كذلك، فهو من الذين قال الله تعالى: ﴿أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أي على بصيرة وبينة ومنهج واضح جلي ﴿وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي في الدنيا والآخرة.
لما ذكر تعالى حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه، كما قال تعالى: ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ﴾ [الزمر: ٢٣] الآية، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله وأقبلوا على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ قال: هو والله الغناء.
روى ابن جرير (١): حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب، أخبرني يزيد بن يونس عن أبي صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية ﴿وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾