للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحِيحِ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» «١» وَفِي رِوَايَةٍ «إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خاصم فجر» «٢» وقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ أَيْ مُحَافِظُونَ عَلَيْهَا لَا يَزِيدُونَ فِيهَا وَلَا يَنْقُصُونَ مِنْهَا وَلَا يَكْتُمُونَهَا وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٣] .

ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ أَيْ عَلَى مَوَاقِيتِهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَمُسْتَحِبَّاتِهَا، فَافْتَتَحَ الْكَلَامَ بِذِكْرِ الصَّلَاةِ وَاخْتَتَمَهُ بِذِكْرِهَا فَدَلَّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَالتَّنْوِيهِ بِشَرَفِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةٍ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون: ١] سواء ولهذا قَالَ هُنَاكَ: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠- ١١] وَقَالَ هَاهُنَا: أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ أَيْ مُكْرَمُونَ بِأَنْوَاعِ الملاذ والمسار.

[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٤]

فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠)

عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُشَاهِدُونَ لَهُ وَلِمَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَمَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ، ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ فَارُّونَ مِنْهُ مُتَفَرِّقُونَ عَنْهُ، شَارِدُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا فِرَقًا فِرَقًا، وَشِيَعًا شِيَعًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [الْمُدَّثِّرِ: ٤٩- ٥١] الْآيَةَ. وَهَذِهِ مِثْلُهَا فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ أَيْ فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ عِنْدَكَ يَا مُحَمَّدُ مُهْطِعِينَ أَيْ مُسْرِعِينَ نَافِرِينَ مِنْكَ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مُهْطِعِينَ أَيْ مُنْطَلِقِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ وَاحِدُهَا عِزَةٌ أَيْ مُتَفَرِّقِينَ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ مُهْطِعِينَ أَيْ فِي حَالِ تَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، قَالَ قَبِلَكَ يَنْظُرُونَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ قَالَ: الْعِزِينُ الْعَصَبُ مِنَ النَّاسِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ معرضين


(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٢٤، والشهادات باب ٢٨، ومسلم في الإيمان حديث ١٠٨، والترمذي في الأيمان باب ١٤.
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٢٤، والمظالم باب ١٧، ومسلم في الإيمان حديث ١٠٦، وأبو داود في السنة باب ١٥، والترمذي في الإيمان باب ١٤، والنسائي في الإيمان باب ٢٠، وأحمد في المسند ٢/ ١٨٩، ١٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>