﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ ثم قال تعالى: ﴿هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ﴾ أي لا يتكلمون ﴿وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ أي لا يقدرون على الكلام ولا يؤذن لهم فيه ليعتذروا بل قد قامت عليهم الحجة ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون، وعرصات القيامة حالات، والرب تعالى يخبر عن هذه الحالة تارة وعن هذه الحالة تارة، ليدل على شدة الأهوال والزلازل يومئذ، ولهذا يقول بعد كل فصل من هذا الكلام: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ وهذه مخاطبة من الخالق تعالى لعباده يقول لهم: ﴿هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ﴾ يعني أنه جمعهم بقدرته في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ تهديد شديد ووعيد أكيد أي إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي وتنجوا من حكمي فافعلوا فإنكم لا تقدرون على ذلك كما قال تعالى: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ﴾ [الرّحمن: ٣٣] وقد قال تعالى: ﴿وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً﴾ [هود: ٥٧] وفي الحديث: «يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني».
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن المنذر الطريقي الأودي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا حصين بن عبد الرّحمن عن حسان بن أبي المخارق، عن أبي عبد الله الجدلي قال: أتيت بيت المقدس فإذا عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب الأحبار يتحدثون في بيت المقدس فقال عبادة: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، ويقول الله: ﴿هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ﴾ اليوم لا ينجو مني جبار عنيد، ولا شيطان مريد، فقال عبد الله بن عمرو: فإنا نحدث يومئذ أنها تخرج عنق من النار فتنطلق، حتى إذا كانت بين ظهراني الناس نادت: أيها الناس إني بعثت إلى ثلاثة أنا أعرف بهم من الأب بولده ومن الأخ بأخيه لا يغيبهم عني وزر ولا تخفيهم عني خافية، الذي جعل مع الله إلها آخر، وكل جبار عنيد وكل شيطان مريد، فتنطوي عليهم فتقذف بهم في النار قبل الحساب بأربعين سنة.
يقول تعالى مخبرا عن عباده المتقين الذين عبدوه بأداء الواجبات، وترك المحرمات، أنهم يوم القيامة يكونون في جنات وعيون أي بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من ظلل اليحموم وهو الدخان الأسود المنتن، وقوله تعالى: ﴿وَفَواكِهَ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ أي ومن سائر أنواع الثمار مهما