للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ قُلْنَا: مَنِ الَّذِينَ آمَنُوا؟ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا. قُلْنَا بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: عَلِيٌّ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَقَالَ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ «١» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ أَسْلَمَ فَقَدْ تَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، رَوَاهُ ابْنُ جرير.

وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الْمُجَادَلَةِ: ٢١- ٢٢] فَكُلُّ مَنْ رَضِيَ بِوِلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ مُفْلِحٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ومنصور في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨)

هذا تَنْفِيرٌ مِنْ مُوَالَاةِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنَ الْكِتَابِيِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ أَفْضَلَ مَا يَعْمَلُهُ الْعَامِلُونَ: وَهِيَ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ الْمُطَهَّرَةُ الْمُحْكَمَةُ، الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، يَتَّخِذُونَهَا هُزُوًا يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا، وَلَعِبًا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا نَوْعٌ مِنَ اللَّعِبِ فِي نَظَرِهِمُ الْفَاسِدِ، وَفِكْرِهِمُ الْبَارِدِ، كَمَا قال القائل: [الوافر]

وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنَ الفهم السقيم «٢»

وقوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ من هاهنا لِبَيَانِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: وَالْكُفَّارِ بِالْخَفْضِ عَطْفًا، وَقَرَأَ آخَرُونَ بالنصب على أنه معمول، لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ تَقْدِيرُهُ وَلَا الْكُفَّارَ أَوْلِياءَ أَيْ لَا تَتَّخِذُوا هَؤُلَاءِ ولا هؤلاء أولياء، والمراد بالكفار


(١) رواه أيضا ابن جرير ٤/ ٦٢٨.
(٢) البيت بلا نسبة في تاج العروس (كفر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>