للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ -إلى قوله- ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٨٣ - ٩٠] وقال : ﴿مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر: ٧٨].

وفي صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل ابن عباس: أفي ﴿ص﴾ سجدة؟ فقال: نعم، ثم تلا هذه الآية: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠] فنبيكم من أمر أن يقتدى بهم، قال: وهو منهم، يعني داود (١).

وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا﴾ أي إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه، سجدوا لربهم خضوعا واستكانة وحمدا وشكرا على ما هم فيه من النعم العظيمة، والبكي جمع باك، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم. قال سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر قال: قرأ عمر بن الخطاب سورة مريم، فسجد وقال: هذا السجود فأين البكي؟ يريد البكاء، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وسقط من رواته ذكر أبي معمر فيما رأيت، فالله أعلم.

[[سورة مريم (١٩): الآيات ٥٩ إلى ٦٠]]

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاِتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠)

لما ذكر تعالى حزب السعداء وهم الأنبياء ، ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره، المؤدين فرائض الله التاركين لزواجره، ذكر أنه ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ أي قرون أخر ﴿أَضاعُوا الصَّلاةَ﴾ وإذا أضاعوها فهم لما سواها من الواجبات أضيع، لأنها عماد الدين وقوامه وخير أعمال العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذها ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، فهؤلاء سيلقون غيا، أي خسارا يوم القيامة، وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا فقال قائلون: المراد بإضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي، واختاره ابن جرير ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة كما هو المشهور عن الإمام أحمد، وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة للحديث «بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة» (٢). والحديث الآخر «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن


(١) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٣٩، وتفسير سورة ٦، باب ٥، وسورة ٣٨، باب ١، وأحمد في المسند ١/ ٣٦٠.
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٣٤، وأبو داود في السنة باب ١٥، والترمذي في الإيمان باب ٩، وابن ماجة في الإقامة باب ١٧، والدارمي في الصلاة باب ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>