للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تقولونه، ﴿فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أي هاتوا برهانا على ذلك يكون مستندا إلى كتاب منزل من السماء عن الله تعالى أنه اتخذ ما تقولونه فإن ما تقولونه لا يمكن استناده إلى عقل بل لا يجوزه العقل بالكلية. وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً﴾ قال مجاهد:

قال المشركون الملائكة بنات الله تعالى فقال أبو بكر فمن أمهاتهن، قالوا بنات سروات الجن وكذا قال قتادة وابن زيد ولهذا قال : ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ﴾ أي الذين نسبوا إليهم ذلك ﴿إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ أي إن الذين قالوا ذلك لمحضرون في العذاب يوم الحساب لكذبهم في ذلك وافترائهم وقولهم الباطل بلا علم، وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً﴾ قال زعم أعداء الله أنه هو وإبليس أخوان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، حكاه ابن جرير (١).

وقوله جلت عظمته: ﴿سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ﴾ أي تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد وعما يصفه به الظالمون الملحدون علوا كبيرا. قوله تعالى: ﴿إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ استثناء منقطع وهو من مثبت إلا أن يكون الضمير قي قوله تعالى: ﴿عَمّا يَصِفُونَ﴾ عائد إلى الناس جميعهم ثم استثنى منهم المخلصين وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي مرسل، وجعل ابن جرير هذا الاستثناء من قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ وفي هذا الذي قاله نظر (٢) والله أعلم.

[[سورة الصافات (٣٧): الآيات ١٦١ إلى ١٧٠]]

﴿فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)

يقول تعالى مخاطبا للمشركين: ﴿فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ﴾ أي إنما ينقاد لمقالتكم وما أنتم عليه من الضلالة والعبادة الباطلة من هو أضل منكم ممن ذرئ للنار (٣) ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٧] فهذا الضرب من الناس هو الذي ينقاد لدين الشرك والكفر والضلالة كما قال : ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٨ - ٩] أي إنما يضل به من هو مأفوك ومبطل، ثم قال منزها للملائكة مما نسبوا إليهم من الكفر بهم والكذب عليهم أنهم بنات الله ﴿وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ﴾ أي له موضع مخصوص في السموات ومقامات العبادات


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٥٣٥.
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٥٣٦.
(٣) ذرئ للنار: أي خلق للنار.

<<  <  ج: ص:  >  >>