أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: نزل رسول الله ﷺ بأعرابي فأكرمه، فقال له رسول الله ﷺ«تعاهدنا؟» فأتاه الأعرابي، فقال له رسول الله ﷺ«ما حاجتك؟» قال: ناقة برحلها وأعنز يحتلبها أهلي، فقال «أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟» فقال له أصحابه: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله؟ قال «إن موسى ﵇ لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق، فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: نحن نحدثك أن يوسف ﵇ لما حضرته الوفاة أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا، فقال لهم موسى: فأيكم يدري أين قبر يوسف؟ قالوا: ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل.
فأرسل إليها فقال لها: دليني على قبر يوسف، فقالت: والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي، فقال لها: وما حكمك؟ قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة، فكأنه ثقل عليه ذلك، فقيل له: أعطها حكمها-قال-فانطلقت معهم إلى بحيرة-مستنقع ماء-فقالت لهم: انضبوا هذا الماء، فلما أنضبوه قالت: احفروا، فلما حفروا استخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار» وهذا حديث غريب جدا، والأقرب أنه موقوف، والله أعلم.
فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ولا مجيب، غاظ ذلك فرعون، واشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار، فأرسل سريعا في بلاده حاشرين، أي من يحشر الجند ويجمعه كالنقباء والحجاب، ونادى فيهم ﴿إِنَّ هؤُلاءِ﴾ يعني بني إسرائيل ﴿لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ أي لطائفة قليلة ﴿وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ﴾ أي كل وقت يصل منهم إلينا ما يغيظنا ﴿وَإِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ﴾ أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم، وإني أريد أن أستأصل شأفتهم، وأبيد خضراءهم، فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم، قال الله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ﴾ أي فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم، وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار والأموال والأرزاق، والملك والجاه الوافر في الدنيا ﴿كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ [الأعراف: ١٣٧] الآية، وقال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ [القصص: ٥ - ٦] الآيتين.