للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها، فإن كفرها كانت له خزيا في الدنيا وإن لم يكفرها كانت له خزيا في الآخرة، فما أعطاكم الله خير مما أعطى بني إسرائيل»، قال ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [النساء: ١١٠]، وقال «الصلوات الخمس ومن الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن» وقال: «من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، وإن عملها كتبت سيئة واحدة، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة، وإن عملها كتبت له عشر أمثالها، ولا يهلك على الله إلا هالك»، فأنزل الله: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ﴾.

وقال مجاهد: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ﴾، أن يريهم الله جهرة، قال: سألت قريش محمدا أن يجعل لهم الصفا ذهبا، قال: «نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل [إن كفرتم]» (١)، فأبوا ورجعوا. وعن السدي وقتادة نحو هذا، والله أعلم. والمراد أن الله ذم من سأل الرسول عن شيء على وجه التعنت والاقتراح، كما سألت بنو إسرائيل موسى تعنتا وتكذيبا وعنادا. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ﴾، أي ومن يشتر الكفر بالإيمان ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾ أي فقد خرج عن الطريق المستقيم إلى الجهل والضلال. وهكذا حال الذين عدلوا عن تصديق الأنبياء، واتباعهم والانقياد لهم إلى مخالفتهم وتكذيبهم، والاقتراح عليهم بالأسئلة التي لا يحتاجون إليها على وجه التعنت والكفر، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ﴾ [إبراهيم: ٢٨ - ٢٩]، وقال أبو العالية: يتبدل الشدة بالرخاء.

[[سورة البقرة (٢): الآيات ١٠٩ إلى ١١٠]]

﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاِصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠)

يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم، ويأمر عباده المؤمنين بالصفح والعفو والاحتمال، حتى يأتي أمر الله من النصر والفتح، ويأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ويحثهم على ذلك ويرغبهم فيه، كما قال محمد بن إسحاق (٢): حدثني محمد بن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب، من أشد اليهود للعرب حسدا، إذ خصهم الله


(١) الزيادة من الطبري ١/ ٥٣٠.
(٢) الأثر في الطبري ١/ ٥٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>