﴿فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ أي من شدة خوفه وجزعه، وهكذا خوف هؤلاء الجبناء من القتال ﴿فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ﴾ أي فإذا كان الأمن تكلموا كلاما بليغا فصيحا عاليا، وادعوا لأنفسهم المقامات العالية في الشجاعة والنجدة، وهم يكذبون في ذلك، وقال ابن عباس ﵄ ﴿سَلَقُوكُمْ﴾ أي استقبلوكم.
وقال قتادة: أما عند الغنيمة فأشح قوم وأسوأه مقاسمة: أعطونا أعطونا قد شهدنا معكم، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذله للحق، وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي ليس فيهم خير قد جمعوا الجبن والكذب وقلة الخير، فهم كما قال في أمثالهم الشاعر [الطويل]:
أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة … وفي الحرب أمثال النساء العوارك (١)
أي في حال المسالمة كأنهم الحمر، والأعيار جمع عير وهو الحمار، وفي الحرب كأنهم النساء الحيض، ولهذا قال تعالى: ﴿أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً﴾ أي سهلا هينا عنده.
[[سورة الأحزاب (٣٣): آية ٢٠]]
﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً (٢٠)﴾
وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخور والخوف ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ بل هم قريب منهم وإن لهم عودة إليهم ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ﴾ أي ويودون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة، بل في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم ﴿وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً﴾ أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلا لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم، والله ﷾ العالم بهم.
[[سورة الأحزاب (٣٣): الآيات ٢١ إلى ٢٢]]
﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢)﴾
هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله ﷺ في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر ﵎ الناس بالتأسي بالنبي ﷺ يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه ﷿، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين،
(١) البيت لهند بنت عتبة في خزانة الأدب ٣/ ٢٦٣، والمقاصد النحوية ٣/ ١٤٢، وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه ١/ ٣٨٢، والكتاب ١/ ٣٤٤، ولسان العرب (عور)، (عير)، (عرك)، والمقتضب ٣/ ٢٦٥، والمقرب ١/ ٢٥٨، وتاج العروس (عرك)، ويروى «أشباه النساء» بدل «أمثال النساء».