بل أشرا وبطرا وعبثا كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر الذي مرّ به رسول الله ﷺ وهو ذاهب إلى تبوك، فقنع رأسه وأسرع دابته، وقال لأصحابه: «لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم».
وقوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ أي وقت الصباح من اليوم الرابع ﴿فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي ما كانوا يستغلونه من زروعهم وثمارهم التي ضنوا بمائها عن الناقة حتى عقروها لئلا تضيق عليهم في المياه، فما دفعت عنهم تلك الأموال ولا نفعتهم لما جاء أمر ربك.
[[سورة الحجر (١٥): الآيات ٨٥ إلى ٨٦]]
﴿وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ (٨٦)﴾
يقول تعالى: ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ أي بالعدل ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا﴾ [النجم: ٣١] الآية، وقال تعالى: ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾ [ص: ٣٧] وقال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٥ - ١١٦] ثم أخبر نبيه بقيام الساعة وأنها كائنة لا محالة ثم أمره بالصفح الجميل عن المشركين في أذاهم له وتكذيبهم ما جاءهم به، كقوله:
﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: ٨٩] وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: كان هذا قبل القتال، وهو كما قالا، فإن هذه مكية والقتال إنما شرع بعد الهجرة.
وقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ﴾ تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء، العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض، كقوله: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٨١ - ٨٣].
[[سورة الحجر (١٥): الآيات ٨٧ إلى ٨٨]]
﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاِخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨)﴾
يقول تعالى لنبيه ﷺ: كما آتيناك القرآن العظيم فلا تنظرنّ إلى الدنيا، وزينتها، وما متعنا به أهلها من الزهرة الفانية لنفتنهم فيه فلا تغبطهم بما هم فيه، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات حزنا عليهم في تكذيبهم لك ومخالفتهم دينك، ﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٥] أي ألن لهم جانبك، كقوله: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨] وقد اختلف في السبع المثاني