للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرحمن بن البيلماني عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ قَالَ «يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا» ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَوْحًا مَحْفُوظًا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ دَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ قَلَمُهُ نُورٌ، وَكِتَابُهُ نُورٌ، وعرضه مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَنْظُرُ فِيهِ كُلَّ يَوْمِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ نَظْرَةً، يَخْلُقُ فِي كُلِّ نَظْرَةٍ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ وَيَفْعَلُ مَا يشاء.

[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣١ الى ٣٦]

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦)

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ قال:

وعيد من الله تعالى لِلْعِبَادِ وَلَيْسَ بِاللَّهِ شُغْلٌ وَهُوَ فَارِغٌ، وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا وَعِيدٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْ دَنَا مِنَ اللَّهِ فَرَاغٌ لِخَلْقِهِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيْ سَنَقْضِي لَكُمْ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : سَنُحَاسِبُكُمْ لَا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، يُقَالُ لِأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ: لَآخُذَنَّكَ عَلَى غرتك. وقوله تعالى: أَيُّهَ الثَّقَلانِ الثَّقَلَانِ: الْإِنْسُ وَالْجِنُّ كَمَا جَاءَ فِي الصحيح: «ويسمعها كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ» «٣» وَفِي رِوَايَةٍ «إِلَّا الإنس والجن» . وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ «الثَّقَلَانِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ» فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.

ثم قَالَ تَعَالَى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أَيْ لَا تَسْتَطِيعُونَ هَرَبًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ بَلْ هُوَ مُحِيطٌ بِكُمْ، لَا تَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ حُكْمِهِ وَلَا النُّفُوذِ عَنْ حُكْمِهِ فِيكُمْ، أَيْنَمَا ذَهَبْتُمْ أحيط بكم، وهذا في مقام الحشر، الْمَلَائِكَةُ مُحْدِقَةٌ بِالْخَلَائِقِ سَبْعَ صُفُوفٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الذَّهَابِ إِلَّا بِسُلْطانٍ أَيْ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [الْقِيَامَةِ: ١٠- ١٢] .

وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [يُونُسَ: ٢٧] وَلِهَذَا قال تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الشُّوَاظُ: هُوَ لَهَبُ النَّارِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:


(١) تفسير الطبري ١١/ ٥٩٢.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٥٥ في الترجمة.
(٣) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٦٧، ٨٦، وأحمد في المسند ٣/ ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>