وهذا ورد في المصورين الذين يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل، فكيف بمن يدعي أنه يحيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى؟ هذا زور ومحال، وجهل وضلال، وإنما يقدرون على الصبغ في الصور الظاهرة، وهي كذب وزغل وتمويه وترويج أنه صحيح في نفس الأمر وليس كذلك قطعا لا محالة، ولم يثبت بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاطاها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفاكون.
فأما ما يجريه الله سبحانه من خرق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهبا أو فضة أو نحو ذلك، فهذا أمر لا ينكره مسلم، ولا يرده مؤمن، ولكن هذا ليس من قبيل الصناعات، وإنما هذا عن مشيئة رب الأرض والسموات واختياره وفعله، كما روي عن حيوة بن شريح المصري رحمه الله تعالى أنه سأله سائل، فلم يكن عنده ما يعطيه، ورأى ضرورته، فأخذ حصاة من الأرض فأجالها في كفه، ثم ألقاها إلى ذلك السائل، فإذا هي ذهب أحمر، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا يطول ذكرها.
وقال بعضهم: إن قارون كان يعرف الاسم الأعظم، فدعا الله به فتمول بسببه. والصحيح المعنى الأول، ولهذا قال الله تعالى رادا عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً﴾ أي قد كان من هو أكثر منه مالا، وما كان ذلك عن محبة منّا له، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم، ولهذا قال: ﴿وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ أي لكثرة ذنوبهم قال قتادة ﴿عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ على خير عندي. وقال السدي: على علم أني أهل لذلك.
وقد أجاد في تفسير هذه الآية الإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فإنه قال في قوله:
﴿قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ قال: لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال، وقرأ ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً﴾ الآية، وهكذا يقول من قل علمه إذا رأى من وسع الله عليه لولا أن يستحق ذلك لما أعطي.
يقول تعالى مخبرا عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة، وتجمل باهر، من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه، فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى
(١) أخرجه البخاري في اللباس باب ٩٠، والتوحيد باب ٥٦، ومسلم في اللباس حديث ١٠١.