للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْأَئِمَّةِ: لَمَّا حَرَّمَ الرِّبَا وَوَسَائِلَهُ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَمَا يُفْضِي إِلَيْهِ مِنْ تِجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، عِنْدَ لَعْنِ الْمُحَلِّلِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ» ، قَالُوا: وَمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ إِلَّا إِذَا أُظْهِرَ فِي صُورَةِ عَقْدٍ شَرْعِيٍّ، وَيَكُونُ دَاخِلُهُ فَاسِدًا، فَالِاعْتِبَارُ بِمَعْنَاهُ لَا بِصُورَتِهِ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَفِي الصَّحِيحِ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُمْ» وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْعَبَّاسِ بن تَيْمِيَّةَ، كِتَابًا فِي إِبْطَالِ التَّحْلِيلِ، تَضَمَّنَ النَّهْيَ عَنْ تَعَاطِي الْوَسَائِلِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى كُلِّ بَاطِلٍ، وَقَدْ كَفَى فِي ذَلِكَ، وَشَفَى، فَرَحِمَهُ اللَّهُ، ورضي عنه.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٦ الى ٢٧٧]

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧)

يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَمْحَقُ الرِّبَا، أَيْ يُذْهِبُهُ إِمَّا بِأَنْ يُذْهِبَهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أَوْ يَحْرِمَهُ بَرَكَةَ مَالِهِ فلا ينتفع به، بل يعدمه بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [الْمَائِدَةِ: ١٠٠] وَقَالَ تَعَالَى: وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ، فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ [الْأَنْفَالِ: ٣٧] وَقَالَ وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الرُّومِ: ٣٩] ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : فِي قَوْلِهِ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَهَذَا نَظِيرُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» فِي مَسْنَدِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا حجاج. حدثنا شريك، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ» .

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ، عَنْ يَحْيَى بن زَائِدَةَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ «مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنَ الرِّبَا إلا كان عاقبة أمره إلى قل» ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ، بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ رَافِعٍ الطَّاطَرِيُّ،


(١) تفسير الطبري ٣/ ١٠٥.
(٢) المسند (ج ١ ص ٣٩٥) .
(٣) المسند (ج ١ ص ٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>