وقال: في هذه الآية الكريمة ﴿إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أي أن نأمر به مرة واحدة فإذا هو كائن، كما قال الشاعر:[الطويل] إذا ما أراد الله أمرا فإنما … يقول له كن كائنا فيكون (١)
أي أنه تعالى لا يحتاج إلى تأكيد فيما يأمر به، فإنه تعالى لا يمانع ولا يخالف، لأنه الواحد القهار العظيم الذي قهر سلطانه وجبروته وعزته كل شيء فلا إله إلا هو ولا رب سواه، وقال ابن أبي حاتم: ذكر الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج عن ابن جريج، أخبرني عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول قال الله تعالى: شتمني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم ولم يكن ينبغي له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقال: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ قال وقلت: ﴿بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ وأما شتمه إياي فقال:
يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته، الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان رجاء ثواب الله وجزائه، ويحتمل أن يكون سبب نزولها في مهاجرة الحبشة الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ليتمكنوا من عبادة ربهم، ومن أشرافهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله ﷺ، وجعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول، وأبو سلمة بن عبد الأسود في جماعة قريب من ثمانين ما بين رجل وامرأة صديق وصديقة ﵃ وأرضاهم، وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً﴾ قال ابن عباس والشعبي وقتادة: المدينة، وقيل: الرزق الطيب، قاله مجاهد.
ولا منافاة بين القولين، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد، وحكمهم على رقاب العباد، وصاروا أمراء حكاما، وكل منهم للمتقين إماما، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ أي مما أعطيناهم في الدنيا ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله، ولهذا قال هشيم عن العوام عمن حدثه أن عمر بن
(١) تقدم البيت في تفسير الآية ١١٧ من سورة البقرة، ولفظ عجز البيت هناك: يقول له كن قوله فيكون