وقوله تعالى: ﴿وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ أي يكذبون ويختلقون من البهتان، وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا فقال: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة، حدثنا عثمان بن حفص بن أبي العالية، حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة ﵁ أن رسول الله ﷺ بلغ ما أرسل به، ثم قال:«إياكم والظلم، فإن الله يعزم يوم القيامة فيقول: وعزتي وجلالي لا يجوزني اليوم ظلم ثم ينادي مناد فيقول: أين فلان بن فلان؟ فيأتي يتبعه من الحسنات أمثال الجبال، فيشخص الناس إليها أبصارهم حتى يقوم بين يدي الرحمن ﷿، ثم يأمر المنادي فينادي: من كانت له تباعة أو ظلامة عند فلان بن فلان فهلم، فيقبلون حتى يجتمعوا قياما بين يدي الرحمن، فيقول الرحمن: اقضوا عن عبدي، فيقولون: كيف نقضي عنه؟ فيقول: خذوا لهم من حسناته، فلا يزالون يأخذون منها حتى لا يبقى منها حسنة، وقد بقي من أصحاب الظلامات، فيقول: اقضوا عن عبدي، فيقولون: لم يبق له حسنة، فيقول خذوا من سيئاتهم فاحملوها عليه» ثم نزع النبي ﷺ بهذه الآية الكريمة ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [النساء: ٤٠]. وهذا الحديث له شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه «إن الرجل ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال وقد ظلم هذا، وأخذ من مال هذا، وأخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا لم تبق له حسنة، أخذ من سيئاتهم فطرح عليه». وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا أبو بشر الحذاء عن أبي حمزة الثمالي عن معاذ بن جبل ﵁ قال:
قال لي رسول الله ﷺ:«يا معاذ إن المؤمن يسأل يوم القيامة عن جميع سعيه حتى عن كحل عينيه وعن فتات الطينة بإصبعين، فلا ألفينك تأتي يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله منك».
هذه تسلية من الله تعالى لعبده ورسوله محمد ﷺ، يخبره عن نوح ﵇ أنه مكث في قومه هذه المدة يدعوهم إلى الله تعالى ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، ومع هذا ما زادهم ذلك إلا
(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٣٣، والديات باب ٢، والاعتصام باب ١٥، ومسلم في القسامة حديث ٢٧، والترمذي في العلم باب ١٤، والنسائي في التحريم باب ١، وابن ماجة في الديات باب ١، وأحمد في المسند ١/ ٣٨٣، ٤٣٠، ٤٣٣.