للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة والله المستعان.

ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه، (قلت) وإنما أدخل كثيرا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي بسببه، ولهذا جاء في الحديث «إن من البيان لسحرا»، وسمي السحور لكونه يقع خفيا آخر الليل، والسحر: الرئة، وهي محل الغذاء وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره أي انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة : توفي رسول الله بين سحري ونحري، وقال تعالى:

﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النّاسِ﴾ [الأعراف: ١١٦] أي أخفوا عنهم علمهم، والله أعلم.

وقال أبو عبد الله القرطبي (١): وعندنا أن السحر حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما يشاء خلافا للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية حيث قالوا: إنه تمويه وتخييل. قال: ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة، والشعوذي البريد لخفة سيره، قال ابن فارس: وليست هذه الكلمة من كلام أهل البادية، قال القرطبي: ومنه ما يكون كلاما يحفظ ورقى من أسماء الله تعالى وقد يكون من عهود الشياطين ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك، قال: وقوله : «إن من البيان لسحرا» يحتمل أن يكون مدحا كما تقول طائفة، ويحتمل أن يكون ذما للبلاغة قال: وهذا أصح، قال لأنها تصوب الباطل حتى توهم السامع أنه حق كما قال : «فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له» الحديث.

[[فصل]]

وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة في كتابه (الإشراف على مذاهب الأشراف) بابا في السحر فقال: أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا حقيقة له عنده واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد يكفر بذلك. ومن أصحاب أبي حنيفة من قال إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه فلا يكفر ومن تعلمه معتقدا جوازه أو أنه ينفعه كفر، وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر. وقال الشافعي : إذا تعلم السحر قلنا له صف لنا سحرك فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر، قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله؟ فقال مالك وأحمد نعم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا فأما إن قتل بسحره إنسانا فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا قتل فإنه يقتل حدا عندهم إلا الشافعي فإنه قال: يقتل والحالة هذه قصاصا قال: وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور


(١) تفسير القرطبي ٢/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>