﴿إِذْ نادى رَبَّهُ﴾ أي خفية عن قومه ﴿رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً﴾ أي لا ولد لي ولا وارث يقوم بعدي في الناس ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ﴾ دعاء وثناء مناسب للمسألة، قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ﴾ أي امرأته، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير: كانت عاقرا لا تلد فولدت. وقال عبد الرحمن بن مهدي عن طلحة بن عمرو عن عطاء: كان في لسانها طول، فأصلحها الله وفي رواية: كان في خلقها شيء فأصلحها الله، وهكذا قال محمد بن كعب والسدي، والأظهر من السياق الأول.
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ﴾ أي في عمل القربات وفعل الطاعات ﴿وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً﴾ قال الثوري: رغبا فيما عندنا ورهبا مما عندنا ﴿وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي مصدقين بما أنزل الله، وقال مجاهد: مؤمنين حقا.
وقال أبو العالية: خائفين. وقال أبو سنان: الخشوع هو الخوف اللازم للقلب لا يفارقه أبدا.
وعن مجاهد أيضا: خاشعين أي متواضعين. وقال الحسن وقتادة والضحاك: خاشعين أي متذللين لله ﷿، وكل هذه الأقوال متقاربة.
وقال ابن أبي حاتم، حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر ﵁. ثم قال: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وتثنوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإن الله ﷿ أثنى على زكريا وأهل بيته فقال:
﴿إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ﴾.
[[سورة الأنبياء (٢١): آية ٩١]]
﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَاِبْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١)﴾
هكذا يذكر تعالى قصة مريم وابنها عيسى ﵉ مقرونة بقصة زكريا وابنه يحيى ﵉، فيذكر أولا قصة زكريا ثم يتبعها بقصة مريم، لأن تلك مربوطة بهذه، فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير قد طعن في السن، ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها، ثم يذكر قصة مريم وهي أعجب فإنها إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر، هكذا وقع في سورة آل عمران وفي سورة مريم، وهاهنا ذكر قصة زكريا ثم أتبعها بقصة مريم بقوله: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها﴾ يعني مريم ﵍، كما قال في سورة التحريم: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا﴾ [التحريم: ١٢].
وقوله ﴿وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ﴾ أي دلالة على أن الله على كل شيء قدير، وأنه ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾، و ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]، وهذا كقوله:
﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ﴾ [مريم: ٢١] قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمر بن علي، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن شعيب يعني ابن بشر، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: