للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا أخالفك في شيء فعند ذلك شارطه الخضر ﴿قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ أي ابتداء ﴿حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾ أي حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني.

قال ابن جرير (١): حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب عن هارون بن عنترة عن أبيه، عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه ﷿ فقال: أي رب أي عبادك أحب إليك؟ قال:

الذي يذكرني ولا ينساني. قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى.

قال: أي رب أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى، قال: أي رب هل في أرضك أحد أعلم مني؟ قال: نعم قال: فمن هو؟ قال: الخضر. قال: وأين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة التي ينفلت عندها الحوت. قال: فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله، وانتهى موسى إليه عند الصخرة، فسلم كل واحد منهما على صاحبه، فقال له موسى: إني أحب أن أصحبك، قال:

إنك لن تطيق صحبتي قال: بلى. قال: فإن صحبتني ﴿فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾ قال: فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحرين، وليس في الأرض مكان أكثر ماء منه، قال: وبعث الله الخطاف، فجعل يستقي منه بمنقاره، فقال لموسى: كم ترى هذا الخطاف رزأ من هذا الماء؟ قال: ما أقل ما رزأ. قال: يا موسى، فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء، وكان موسى قد حدث نفسه أنه ليس أحد أعلم منه أو تكلم به، فمن ثم أمر أن يأتي الخضر، وذكر تمام الحديث في خرق السفينة، وقتل الغلام، وإصلاح الجدار، وتفسيره له ذلك.

[[سورة الكهف (١٨): الآيات ٧١ إلى ٧٣]]

﴿فَانْطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣)

يقول تعالى مخبرا عن موسى وصاحبه وهو الخضر، أنهما انطلقا لما توافقا واصطحبا، واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره حتى يكون هو الذي يبتدئه من تلقاء نفسه بشرحه وبيانه، فركبا في السفينة، وقد تقدم في الحديث كيف ركبا في السفينة، وأنهم عرفوا الخضر، فحملوهما بغير نول، يعني بغير أجرة، تكرمة للخضر، فلما استقلت بهم السفينة في البحر ولججت، أي دخلت اللجة، قام الخضر فخرقها، واستخرج لوحا من ألواحها ثم رقعها، فلم يملك موسى نفسه أن قال منكرا عليه ﴿أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها﴾ وهذه اللام لام العاقبة لا لام التعليل، كما قال الشاعر: [الوافر] لدوا للموت وابنوا للخراب (٢)


(١) تفسير الطبري ٨/ ٢٥١.
(٢) عجزه: فكلكم يصير إلى ذهاب والبيت لأبي العتاهية في ديوانه ص ٣٣، وللإمام علي بن أبي طالب في خزانة الأدب ٩/ ٥٢٩، ٥٣١، والدرر ٤/ ١٦٧، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣/ ٣٣، والجنى الداني ص ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>