وَصِحَّةِ نُبُوَّةِ مَنْ جَرَى هَذَا الْخَارِقُ عَلَى يديه، ولهذا قال تعالى: إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أَيْ وَقَوْمِهِ مِنَ الرُّؤَسَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَالْأَتْبَاعِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ أَيْ خَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ الله، مخالفين لأمره ودينه.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥)
لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ الَّذِي إِنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيَارِ مِصْرَ فِرَارًا مِنْهُ وَخَوْفًا مِنْ سَطْوَتِهِ قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً يَعْنِي ذَلِكَ الْقِبْطِيَّ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ أَيْ إِذَا رَأَوْنِي وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي لِسَانِهِ لَثْغَةٌ بِسَبَبِ مَا كَانَ تَنَاوَلَ تِلْكَ الْجَمْرَةَ حِينَ خُيِّرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّمْرَةِ أَوِ الدُّرَّةِ، فَأَخَذَ الْجَمْرَةَ فَوَضَعَهَا عَلَى لِسَانِهِ، فَحَصَلَ فِيهِ شِدَّةٌ فِي التَّعْبِيرِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طَهَ: ٢٧- ٣٢] أَيْ يُؤْنِسُنِي فِيمَا أَمَرَتْنِي بِهِ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِأَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ إِلَى هَذَا الْمَلِكِ الْمُتَكَبِّرِ الْجَبَّارِ الْعَنِيدِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً
أَيْ وَزِيرًا وَمُعِينًا وَمُقَوِّيا لِأَمْرِي، يَصَدِّقُنِي فِيمَا أَقُولُهُ وَأُخْبِرُ بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لأن خبر الاثنين أنجع في النفوس من خبر الواحد، وَلِهَذَا قَالَ: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي أَيْ يُبَيِّنُ لَهُمْ عَنِّي مَا أُكَلِّمُهُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ يُفْهِمُ عني ما لا يفهمون، فلما سأل ذلك موسى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أَيْ سَنُقَوِّي أَمْرَكَ، وَنُعِزُّ جَانِبَكَ بِأَخِيكَ الَّذِي سَأَلْتَ لَهُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَعَكَ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسى [طَهَ: ٣٦] وَقَالَ تَعَالَى: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [مَرْيَمَ: ٥١] وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَيْسَ أَحَدٌ أَعْظَمَ مِنَّةً عَلَى أَخِيهِ مِنْ مُوسَى عَلَى هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَإِنَّهُ شُفِّعَ فِيهِ حَتَّى جَعَلَهُ اللَّهُ نَبِيًّا وَرَسُولًا مَعَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ مُوسَى وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الْأَحْزَابِ: ٦٩] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً أَيْ حُجَّةً قَاهِرَةً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَيْ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى أَذَاكُمَا بِسَبَبِ إِبْلَاغِكُمَا آيَاتِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ- إِلَى قَوْلِهِ- وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [الْمَائِدَةِ: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ- إلى قوله- وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً [الْأَحْزَابِ: ٣٩] أَيْ وَكَفَى بِاللَّهِ نَاصِرًا وَمُعِينًا وَمُؤَيِّدًا، وَلِهَذَا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُمَا وَلِمَنِ اتَّبَعَهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَالَ تعالى: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute