للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا شريك له، والتبري من الشرك وأهله، فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل، أي من صغره إلى كبره، فإنه من وقت نشأ وشب أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله ﷿ ﴿إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ﴾ أي ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ ﴿قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ﴾ أي مقيمين على عبادتها ودعائها ﴿قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ يعني اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئا من ذلك، وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يهرعون، فعند ذلك قال لهم إبراهيم ﴿أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ﴾ أي إن كانت هذه الأصنام شيئا ولها تأثير، فلتخلص إلي بالمساءة، فإني عدو لها لا أبالي بها ولا أفكر فيها.

وهذا كما قال تعالى مخبرا عن نوح : ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ﴾ [يونس:٧١] الآية، وقال هود ﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٤ - ٥٦] وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم فقال ﴿وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ﴾ [الأنعام: ٨١] الآية. وقال تعالى: ﴿قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ﴾ -إلى قوله- ﴿حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: ٤] وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ يعني لا إله إلا الله.

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ٧٨ إلى ٨٢]]

﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)

يعني لا. أعبد إلا الذي يفعل هذه الأشياء ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ أي هو الخالق الذي قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه، فكل يجري على ما قدر له، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾ أي هو خالقي ورازقي بما سخر ويسر من الأسباب السماوية والأرضية، فساق المزن، وأنزل الماء وأحيا به الأرض، وأخرج به من كل الثمرات رزقا للعباد، وأنزل الماء عذبا زلالا ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً﴾.

وقوله ﴿وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ أسند المرض إلى نفسه، وإن كان عن قدر الله وقضائه وخلقه، ولكن أضافه إلى نفسه أدبا، كما قال تعالى آمرا للمصلي أن يقول ﴿اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ إلى آخر السورة، فأسند الأنعام والهداية إلى الله تعالى، والغضب حذف فاعله أدبا، وأسند الضلال إلى العبيد، كما قالت الجن ﴿وَأَنّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ [الجن: ١٠] وكذا قال إبراهيم ﴿وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ أي إذا وقعت في

<<  <  ج: ص:  >  >>