للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو قليل الشكر لله على ذلك، وقال ابن جرير (١): حدثني القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد أبي رجاء الهروي، قال: لا تجد سيء الملكة إلا وجدته مختالا فخورا، وتلا ﴿وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ﴾ الآية، ولا عاقا إلا وجدته جبارا شقيا، وتلا ﴿وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٢]، وروى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب مثله في المختال الفخور، وقال: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم عن الأسود بن شيبان، حدثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير، قال: قال مطرف: كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقائه، فلقيته، فقلت: يا أبا ذر، بلغني أنك تزعم أن رسول الله حدثكم «إن الله يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة»؟ فقال: أجل، فلا إخالني أكذب على خليلي ثلاثا؟ قلت: من الثلاثة الذين يبغض الله؟ قال: المختال الفخور. أوليس تجدونه عندكم في كتاب الله المنزل، ثم قرأ الآية ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً﴾، وحدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب بن خالد، عن أبي تميمة عن رجل من بلهجيم، قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال «إياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة».

[[سورة النساء (٤): الآيات ٣٧ إلى ٣٩]]

﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)

يقول تعالى ذاما الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم من الأرقاء، ولا يدفعون حق الله فيها، ويأمرون الناس بالبخل أيضا، وقد قال رسول الله «وأي داء أدوأ من البخل». وقال: «إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا».

وقوله تعالى: ﴿وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فالبخيل جحود لنعمة الله لا تظهر عليه ولا تبين، لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ [العاديات: ١٠٨] أي بحاله وشمائله ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: ٨] وقال هاهنا ﴿وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ ولهذا توعدهم بقوله:

﴿وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً﴾ والكفر هو الستر والتغطية، فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها فهو كافر لنعم الله عليه، وفي الحديث «إن الله إذا أنعم نعمة على عبد أحب أن يظهر أثرها عليه»، وفي الدعاء النبوي «واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها عليك قابليها،


(١) تفسير الطبري ٤/ ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>