للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي ورثة من قراباته من أبويه وأقربيه، هم يَرِثُونَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» «١» أي اقسموا الميراث على أصحاب الفرائض الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي آيَتَيِ الْفَرَائِضِ، فَمَا بقي بعد ذلك فأعطوه للعصبة.

وَقَوْلُهُ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ أَيْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، أَيْ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَأَيُّمَا حِلْفٌ عُقِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتِ الحلف في المستقبل وحكم الحلف الْمَاضِي أَيْضًا، فَلَا تَوَارُثَ بِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ الْأَوَدِيُّ، أَخْبَرَنِي طلحة بن مصرف عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، قَالَ: مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ وَيُوصَى لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي مَالِكٍ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل الله تَعَالَى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً [الْأَحْزَابِ: ٦] يَقُولُ: إِلَّا أَنْ يُوصُوا لِأَوْلِيَائِهِمُ الَّذِينَ عَاقَدُوا وَصِيَّةً فَهُوَ لهم جائز من ثلث مال الميت، وهذا هو المعروف، وهكذا نَصُّ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جبير: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النساء: ٣٣] ، أَيْ مِنَ الْمِيرَاثِ، قَالَ:

وَعَاقَدَ أَبُو بَكْرٍ مَوْلًى فَوَرِثَهُ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عن ابن المسيب: نزلت هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ رِجَالًا غير أبنائهم ويورثونهم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا فِي الْوَصِيَّةِ، وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى الْمَوَالِي فِي ذِي الرحم والعصبة، وأبي الله أن يكون للمدعين ميراث مِمَّنِ ادَّعَاهُمْ وَتَبَنَّاهُمْ، وَلَكِنْ جَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنَ الْوَصِيَّةِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ، أَيْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالْمَعُونَةِ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ حَتَّى تَكُونَ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً، وَلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ حُكْمًا ثُمَّ نُسِخَ بَلْ إِنَّمَا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْحِلْفِ الْمَعْقُودِ عَلَى النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ فَقَطْ، فَهِيَ مَحْكَمَةٌ لَا مَنْسُوخَةٌ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مِنَ الْحِلْفِ مَا كَانَ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ، وَمِنْهُ مَا كَانَ عَلَى الْإِرْثِ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَكَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

كَانَ الْمُهَاجِرِيُّ يَرِثُ الْأَنْصَارِيَّ دُونَ قِرَابَاتِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ حَتَّى نُسِخَ ذلك، فكيف يقولون إن هذه


(١) صحيح البخاري (فرائض باب ٥ و ٧ و ٩ و ١٥) وصحيح مسلم (فرائض حديث ٣٢) وسنن الترمذي (فرائض باب ٨) . [.....]
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>