مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» (١).
وقوله: ﴿فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ﴾ يقول تعالى فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين، وهذا معنى قول مجاهد أن لا يقاتل إلا من قاتل أو يكون تقديره فإن انتهوا تخلصوا من الظلم وهو الشرك، فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة كقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤] وقوله:
﴿وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠] ﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل:١٢] ولهذا قال عكرمة وقتادة: الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله.
وقال البخاري: قوله: ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ الآية، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي ﷺ فما يمنعك أن تخرج؟ فقال يمنعني أن الله حرم دم أخي، قالا: ألم يقل الله ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، وحتى يكون الدين لغير الله، وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب، أخبرني فلان وحيوة بن شريح عن بكر بن عمر المغافري، أن بكير بن عبد الله حدثه عن نافع، أن رجلا أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاما وتقيم عاما وتترك الجهاد في سبيل الله ﷿، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ فقال: يا ابن أخي بني الإسلام على خمس: الإيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه، ﴿وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ﴾ [الحجرات: ٩] ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ قال: فعلنا على عهد رسول الله ﷺ وكان الإسلام قليلا، فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه أو عذبوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، قال فما قولك في علي وعثمان؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه، وأما علي فابن عمّ رسول الله ﷺ وختنه، فأشار بيده، فقال: هذا بيته حيث ترون.