للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى وكفر بذلك فأبعده الله ﷿ وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه، وحضرة قدسه، وسماه إبليس إعلاما له بأنه قد أبلس (١) من الرحمة وأنزله من السماء مذموما مدحورا إلى الأرض فسأل الله النظرة إلى يوم البعث فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه. فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى وقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ كما قال ﷿:

﴿أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء:٦٢] وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ [الإسراء: ٦٥].

وقوله : ﴿قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قرأ ذلك جماعة منهم مجاهد برفع الحق الأول وفسره مجاهد بأن معناه أنا الحق والحق أقول، وفي رواية عنه: الحق مني وأقول الحق، وقرأ آخرون بنصبهما قال السدي هو قسم أقسم الله به (٢).

(قلت) وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى: ﴿وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣] وكقوله ﷿: ﴿قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً﴾ [الإسراء: ٦٣].

[[سورة ص (٣٨): الآيات ٨٦ إلى ٨٨]]

﴿قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)

يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين ما أسألكم على هذا البلاغ وهذا النصح أجرا تعطونيه من عرض الحياة الدنيا ﴿وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ أي وما أريد على ما أرسلني الله تعالى به ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه، وإنما أبتغي بذلك وجه الله ﷿ والدار الآخرة، قال سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: أتينا عبد الله بن مسعود فقال يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم، الله أعلم، فإن الله ﷿ قال لنبيكم : ﴿قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ أخرجاه من حديث الأعمش، به وقوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ يعني القرآن ذكر لجميع المكلفين به من الإنس والجن، قاله ابن عباس ، وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي غسان مالك بن إسماعيل: حدثنا قيس عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ قال: الجن والإنس، وهذه الآية الكريمة كقوله


(١) أبلس: أي يئس.
(٢) تفسير الطبري ١٠/ ٦٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>