للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، وسيأتي الحديث مسندا في سورة المائدة إن شاء الله تعالى.

وقوله: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾ قال مجاهد وغير واحد من السلف: تلووا، أي تحرفوا الشهادة وتغيروها، واللي هو التحريف وتعمد الكذب، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ﴾ [آل عمران: ٧٨]، والإعراض هو كتمان الشهادة وتركها، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] وقال النبي «خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها» (١) ولهذا توعدهم الله بقوله: ﴿فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ أي وسيجازيكم بذلك.

[[سورة النساء (٤): آية ١٣٦]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦)

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه، كما يقول المؤمن في كل صلاة ﴿اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] أي بصرنا فيه وزدنا هدى وثبتنا عليه، فأمرهم بالإيمان به وبرسوله، كما قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٢٨]. وقوله: ﴿وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ﴾ يعني القرآن، ﴿وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾ وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة، وقال في القرآن:

نزل لأنه نزل مفرقا منجما على الوقائع بحسب ما يحتاج إليه العباد في معاشهم ومعادهم، وأما الكتب المتقدمة، فكانت تنزل جملة واحدة، لهذا قال تعالى: ﴿وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾، ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً﴾ أي فقد خرج عن طريق الهدى وبعد عن القصد كل البعد.

[[سورة النساء (٤): الآيات ١٣٧ إلى ١٤٠]]

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠)

يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان، ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى، ولهذا قال: ﴿لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً﴾. قال


(١) رواه أحمد في المسند ٤/ ١١٨ و ٥/ ١٩٢ من حديث زيد بن خالد الجهني بلفظ: «خير الشهادة ما شهد بها صاحبها قبل أن يسألها».

<<  <  ج: ص:  >  >>