للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أين ذهبت.

[[سورة البقرة (٢): آية ١٦]]

﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)

قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى﴾ قال: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى﴾ أي الكفر بالإيمان (١)، وقال مجاهد: آمنوا ثم كفروا وقال قتادة: استحبوا الضلالة على الهدى (٢)، وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود ﴿وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى﴾ [فصلت: ١٧] وحاصل قول المفسرين فيما تقدم أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال واعتاضوا عن الهدى بالضلالة وهو معنى قوله تعالى ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى﴾ أي بذلوا الهدى ثمنا للضلالة، وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الايمان ثم رجع عنه إلى الكفر كما قال تعالى فيهم ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ﴾ [المنافقون: ٣] أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى كما يكون حال فريق آخر منهم فإنهم أنواع وأقسام ولهذا قال تعالى ﴿فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك. وقال ابن جرير: حدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة ﴿فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة (٣)، وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بمثله سواء (٤).

[[سورة البقرة (٢): الآيات ١٧ إلى ١٨]]

﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اِسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)

يقال: مثل ومثل ومثيل أيضا والجمع أمثال، قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣] وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى، بمن استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي، وهو مع هذا أصم لا يسمع أبكم لا ينطق أعمى لو كان ضياء لما


(١) الطبري ١/ ١٧١؛ والدر المنثور ١/ ٧٠.
(٢) الدر المنثور ١/ ٧١.
(٣) الطبري ١/ ١٧٢.
(٤) الدر المنثور ١/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>