يبين تعالى حكمته في البراءة من المشركين ونظرته إياهم أربعة أشهر، ثم بعد ذلك السيف المرهف أين ثقفوا فقال تعالى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ﴾ أي أمان ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون بالله كافرون به وبرسوله ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ يعني يوم الحديبية، كما قال تعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح: ٢٥] الآية، ﴿فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ أى مهما تمسكوا بما عاقدتموهم عليه وعاهدتموهم من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين ﴿فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
وقد فعل رسول الله ﷺ ذلك والمسلمون. استمر العقد والهدنة مع أهل مكة من ذي القعدة في سنة ست إلى أن نقضت قريش العهد ومالؤوا حلفاءهم وهم بنو بكر على خزاعة أحلاف رسول الله ﷺ فقتلوهم معهم في الحرم أيضا فعند ذلك غزاهم رسول الله ﷺ في رمضان سنة ثمان ففتح الله عليه البلد الحرام ومكنه من نواصيهم ولله الحمد والمنة، فأطلق من أسلم منهم بعد القهر والغلبة عليهم فسموا الطلقاء، وكانوا قريبا من ألفين، ومن استمر على كفره وفرّ من رسول الله ﷺ بعث إليه بالأمان والتسيير في الأرض أربعة أشهر يذهب حيث شاء، ومنهم صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما، ثم هداهم الله بعد ذلك إلى الإسلام التام، والله المحمود على جميع ما يقدره ويفعله.
يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداتهم والتبري منهم ومبينا أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله تعالى وكفرهم برسول الله ﷺ، ولأنهم لو ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم لم يبقوا ولم يذروا ولا راقبوا فيهم إلا ولا ذمة. قال علي بن أبي طلحة وعكرمة والعوفي عن ابن عباس: الإلّ القرابة والذمة العهد. وكذا قال الضحاك والسدي كما قال تميم بن مقبل:[الرمل] أفسد الناس خلوف خلفوا … قطعوا الإلّ وأعراق الرّحم (١)
وقال حسان بن ثابت ﵁:[الطويل]
(١) البيت لابن مقبل في تفسير الطبري ٦/ ٣٢٦، وبلا نسبة في تفسير البحر المحيط ٥/ ٥.