للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾ قال: يقولون قلوبنا غلف مملوءة لا تحتاج إلى علم محمد ولا غيره. وقال عطية العوفي عن ابن عباس ﴿وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ﴾ أي أوعية للعلم، وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار فيها، حكاه ابن جرير (١). وقالوا: قلوبنا غلف، بضم اللام، نقلها الزمخشري، أي جمع غلاف، أي أوعية، بمعنى أنهم ادعوا أن قلوبهم مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر كما كانوا يفتون بعلم التوراة، ولهذا قال تعالى: ﴿بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ﴾ أي ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها، كما قال في سورة النساء: ﴿وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [النساء: ١٥٥] وقد اختلفوا في معنى قوله: ﴿فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ﴾ وقوله: ﴿فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً﴾ [النساء: ٤٦] فقال بعضهم:

فقليل من يؤمن منهم، وقيل: فقليل إيمانهم بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب، ولكنه إيمان لا ينفعهم لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد ، وقال بعضهم: إنما كانوا غير مؤمنين بشيء، وإنما قال: فقليلا ما يؤمنون وهم بالجميع كافرون، كما تقول العرب: قلما رأيت مثل هذا قط، تريد ما رأيت مثل هذا قط، وقال الكسائي: تقول العرب: من زنى بأرض قلما تنبت، أي لا تنبت شيئا، حكاه ابن جرير (٢) ، والله أعلم.

[[سورة البقرة (٢): آية ٨٩]]

﴿وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩)

يقول تعالى: ﴿وَلَمّا جاءَهُمْ﴾، يعني اليهود، ﴿كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ وهو القرآن الذي أنزل على محمد ﴿مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ﴾ يعني من التوراة، وقوله ﴿وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم يقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم، كما قال محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمرو، عن قتادة الأنصاري، عن أشياخ منهم، قال: فينا والله وفيهم، يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم نزلت هذه القصة يعني:

﴿وَلَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ قالوا: كنا قد علوناهم قهرا دهرا في الجاهلية، ونحن أهل شرك، وهم أهل كتاب، وهم يقولون: إن نبيا سيبعث الآن نتبعه قد أظل زمانه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث الله رسوله من قريش واتبعناه كفروا به. يقول الله تعالى: ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ﴾.


(١) تفسير الطبري ١/ ٤٥٢.
(٢) الطبري ١/ ٤٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>