للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة هود (١١): الآيات ٢٥ إلى ٢٧]]

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اِتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧)

يخبر تعالى عن نوح وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله، ولهذا قال: ﴿أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ﴾ وقوله: ﴿إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ أي إن استمررتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذابا أليما موجعا شاقا في الدار الآخرة.

﴿فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ والملأ هم السادة والكبراء من الكافرين منهم ﴿ما نَراكَ إِلاّ بَشَراً مِثْلَنا﴾ أي لست بملك ولكنك بشر فكيف أوحي إليك من دوننا ثم ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة (١) وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترو منهم ولا فكر ولا نظر بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك ولهذا قالوا ﴿وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ﴾ أي في أول بادئ الرأي ﴿وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ﴾ يقولون ما رأينا لكم علينا فضيلة في خلق ولا خلق ولا رزق ولا حال لما دخلتم في دينكم هذا ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ﴾ أي فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة في الدار الآخرة إذا صرتم إليها.

هذا اعتراض الكافرين على نوح وأتباعه وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه، فإن الحق في نفسه صحيح سواء اتبعه الأشراف أو الأراذل بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته كما قال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاّ قالَ مُتْرَفُوها إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣].

ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي قال له فيما قال: أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم. فقال: هرقل هم أتباع الرسل، وقولهم ﴿بادِيَ الرَّأْيِ﴾ ليس بمذمة ولا عيب لأن الحق إذا وضح لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال بل لا بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء بل لا يفكر هاهنا إلا غبي أو عيي، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنما جاءوا بأمر جلي واضح. وقد جاء في الحديث أن رسول الله قال: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه


(١) الحاكة: الخياطون، وحاك الثوب: خاطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>