للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٠ الى ١٣]

وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ فُؤَادِ أُمِّ مُوسَى حِينَ ذَهَبَ وَلَدُهَا فِي الْبَحْرِ إِنَّهُ أَصْبَحَ فَارِغًا، أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَّا مِنْ مُوسَى، قَالَهُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ. إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أَيْ إِنْ كَادَتْ مِنْ شَدَّةِ وَجْدِهَا وَحُزْنِهَا وَأَسَفِهَا لَتُظْهِرُ أَنَّهُ ذَهَبَ لَهَا وَلَدٌ، وَتُخْبِرُ بِحَالِهَا لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَهَا وَصَبَّرَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ أَيْ أَمَرَتِ ابْنَتَهَا وَكَانَتْ كَبِيرَةً تَعِي مَا يُقَالُ لَهَا، فَقَالَتْ لَهَا: قُصِّيهِ أَيْ اتْبَعِي أَثَرَهُ، وَخُذِي خَبَرَهُ، وَتَطَلَّبِي شَأْنَهُ مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ، فَخَرَجَتْ لِذَلِكَ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ قَالَ ابْنُ عباس: عن جانب. وقال مجاهد: بصرت به عن جنب عن بعد.

وَقَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَكَأَنَّهَا لَا تُرِيدُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدَارِ فِرْعَوْنَ وَأَحَبَّتْهُ امْرَأَةُ الْمَلِكِ وَاسْتَطْلَقَتْهُ مِنْهُ، عَرَضُوا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ الَّتِي فِي دَارِهِمْ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهَا ثَدْيًا، وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ شيئا من ذلك، فخرجوا به إلى السوق لَعَلَّهُمْ يَجِدُونَ امْرَأَةً تَصْلُحُ لِرَضَاعَتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ بِأَيْدِيهِمْ عَرَفَتْهُ وَلَمْ تُظْهِرْ ذَلِكَ وَلَمْ يَشْعُرُوا بِهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ أي تحريما قدريا، وذلك لكرامته عند الله وصيانته له أَنْ يَرْتَضِعَ غَيْرَ ثَدْيِ أُمِّهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى رُجُوعِهِ إِلَى أُمِّهِ لترضعه، وهي آمنة بعد ما كانت خائفة، فلما رأتهم حَائِرِينَ فِيمَنْ يُرْضِعُهُ قَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ.

قال ابن عباس: فلما قَالَتْ ذَلِكَ، أَخَذُوهَا وَشَكُّوا فِي أَمْرِهَا، وَقَالُوا لها: وما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه؟ فقالت لهم: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في سرور الْمَلِكِ وَرَجَاءُ مَنْفَعَتِهِ، فَأَرْسَلُوهَا، فَلَمَّا قَالَتْ لَهُمْ ذَلِكَ وَخَلَصَتْ مِنْ أَذَاهُمْ، ذَهَبُوا مَعَهَا إِلَى مَنْزِلِهِمْ فَدَخَلُوا بِهِ عَلَى أُمِّهِ فَأَعْطَتْهُ ثَدْيَهَا فَالْتَقَمَهُ، فَفَرِحُوا بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَذَهَبَ الْبَشِيرُ إِلَى امْرَأَةِ الْمَلِكِ، فَاسْتَدْعَتْ أُمَّ مُوسَى وَأَحْسَنَتْ إِلَيْهَا وَأَعْطَتْهَا عَطَاءً جَزِيلًا، وَهِيَ لَا تَعْرِفُ أَنَّهَا أُمُّهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنْ لِكَوْنِهِ وَافَقَ ثَدْيَهَا، ثُمَّ سَأَلْتُهَا آسِيَةُ أَنْ تُقِيمَ عِنْدَهَا فَتُرْضِعُهُ، فَأَبَتْ عَلَيْهَا وَقَالَتْ:

إِنَّ لِي بَعْلًا وَأَوْلَادًا، وَلَا أَقْدِرُ عَلَى الْمَقَامِ عِنْدَكِ، وَلَكِنْ إِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُرْضِعَهُ فِي بَيْتِي فَعَلْتُ.

فَأَجَابَتْهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ إِلَى ذَلِكَ، وَأَجْرَتْ عَلَيْهَا النَّفَقَةَ وَالصِّلَاتِ وَالْكَسَاوِي وَالْإِحْسَانَ الْجَزِيلَ، فَرَجَعَتْ أُمُّ مُوسَى بِوَلَدِهَا رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً قَدْ أَبْدَلَهَا اللَّهُ بَعْدِ خَوْفِهَا أَمْنًا، فِي عِزٍّ وَجَاهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>